متابعة حميد
طولست
في خطوة
استثنائية وغير مسبوقة، وجّه الملك محمد السادس دعوة إلى المغاربة لعدم نحر
الأضاحي هذا العام، حفاظًا على الثروة الحيوانية التي تواجه تهديدًا متناميًا في
ظل الجفاف وغلاء الأعلاف وانكماش العرض الوطني من الماشية. دعوة ملكية تحمل في
طياتها بُعدًا بيئيًا واقتصاديًا، لكنها في العمق فتحت نقاشًا مجتمعيًا عميقًا حول
جوهر عيد الأضحى في المغرب، بين ما هو ديني وما هو اجتماعي.
رغم أن الخطاب
جاء في إطار ظرفي محدد، إلا أن تفاعلاته امتدت إلى كشف مواقف دفينة ومسكوت عنها،
أبرزها ما أصبح اليوم شبه إجماع بين الملاحظين، وهو أن ما يحرك غالبية المغاربة في
هذه المناسبة لم يعد ذلك الارتباط الروحي بتقليد إبراهيم وابنه إسماعيل، بل الرغبة
في الحصول على "الشهيوات" و"الشوا" و"الضوارة"، ضمن
طقوس غذائية تُلبس لبوسًا دينيًا، لكنها تُمارس بروح اجتماعية ضاغطة تفوق كل
اعتبار.
منصات التواصل
الاجتماعي عجّت بتعليقات تعبّر عن ارتياح الكثيرين من الدعوة الملكية، لا لأنها
تعفيهم من "سنة مؤكدة" كما تُصنَّف شعائريًا، بل لأنها تمنحهم غطاءً
رسميًا لـ"الامتناع" عن ممارسة صارت تُشعرهم بعبء مادي ونفسي، كانوا
يدارونه بالقول: "هي سنة، والسنة لا يُلام تاركها". لكن الواقع يقول
شيئًا آخر: الضغط المجتمعي الهائل جعل الامتناع عن الذبح أقرب إلى
"العار" منه إلى موقف عقلاني أو ديني مشروع.
هكذا، تحوّلت
الدعوة الملكية، دون أن تعلن ذلك صراحة، إلى مرآة تعكس تحوّل عيد الأضحى في المغرب
إلى عادة اجتماعية قاهرة، أكثر منها شعيرة دينية محمولة على الوعي والاختيار. إنها
لحظة تأمل صريحة وعلنية في مسافة التناقض بين الظاهر والباطن، بين الفقه والواقع،
بين الدين والمجتمع.
ولئن كانت
الاستجابة العملية لهذه الدعوة ستظل رهينة الأيام المقبلة، فإن المؤكد أن السؤال
حول جوهر العيد ومعناه في وجدان المغاربة قد طُرح اليوم بحدة غير مسبوقة. وربما
تكون هذه بداية مراجعة صادقة، لا تقل جرأة عن الدعوة نفسها.