عن أنباء أنفو
بالتزامن مع التحولات الكبيرة الحاصلة
فى رؤية معظم دول العالم – خصوصا الدول العظمى (الولايات المتحدة، فرنسا، ،
إسبانيا…) لملف النزاع فى الصحراء الغربية ، بالإضافة إلى تصاعد الجدل الإقليمي
حول ملف الهجرة والحدود، خرج الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية، الحسين ولد
مدو، عبر شاشة فرانس 24 ليدافع عن سياسات بلاده الأمنية والإنسانية، إلا أن ما بدا
وكأنه تصريح تقني حول الهجرة، حمل بين سطوره رسائل سياسية دقيقة تمس توازنات
إقليمية حساسة، في طليعتها قضية الصحراء الغربية.
ورغم أن الوزير لم يأت على ذكر جبهة
البوليساريو بشكل مباشر، إلا أن لغته خلال المقابلة عكست ابتعادا محسوبا عن خطابها
الانفصالي، في مقابل تقارب ملحوظ مع الخطاب المغربي البراغماتي.
فقد ركّز ولد مدو على مفاهيم
"السيادة"، و"احترام القانون"، و"الاستقرار
الإقليمي"، وهي عبارات ترتبط عادة بالمقاربات الواقعية، التي تُعلي من شأن
الدولة الوطنية، وتتجنّب دعم الطروحات التي تتعارض مع استقرار الحدود أو تعيد
إنتاج النزاعات المزمنة في المنطقة.
هذا الميل الموريتاني الواضح نحو خطاب
الرباط، بدا في تأكيد الوزير على أن موريتانيا تتعامل مع التحديات الأمنية والهجرة
"وفق منطق السيادة الوطنية والالتزامات القانونية"، وهي مقاربة تتناقض
ضمنيا مع الدعوات الانفصالية أو محاولات فرض الأمر الواقع من خارج منطق الدولة.
كما أن الوزير، في دفاعه عن سياسة
بلاده تجاه المهاجرين، حرص على تأطير التعاون مع الاتحاد الأوروبي في قالب احترام
حقوق الإنسان، لكنه لم يُبد أي انفتاح على الدعوات الحقوقية المرتبطة بمطالبات
جبهة البوليساريو أو شبكاتها الإعلامية، التي تتهم نواكشوط ضمنيا بخدمة أجندة
مغربية. هذا الصمت الانتقائي عن البوليساريو، وعدم التطرق لمفاهيم مثل "حق
تقرير المصير" أو "النزاع الإقليمي"، يُفسر سياسيا على أنه انعكاس
لتحول تدريجي في مقاربة موريتانيا لهذا الملف الحساس، دون إحداث ضجيج دبلوماسي أو
استفزاز مباشر لأي من الأطراف.
ويبدو أن هذه النبرة تتناغم مع مسار
سياسي اختارته نواكشوط في السنوات الأخيرة، قائم على الحذر، لكن مع ميول محسوبة
نحو مقاربة المغرب، خاصة في ضوء التقاطعات الجيوسياسية في منطقة الساحل، وتعاظم
التحديات الأمنية والهجرة والتهريب، إذ تشهد العلاقات الموريتانية المغربية مستوى
متقدما من التنسيق، لا سيما في ملفات التنمية والبنية التحتية والمعابر الحدودية،
فضلا عن تقارب لافت في التصورات الأمنية إزاء التهديدات المشتركة.
من خلال هذه المقابلة، بدا أن الوزير
ولد مدو لا ينطق بموقف فردي، بل يُجسد اتجاها دبلوماسيا جديدا داخل المؤسسة
الرسمية الموريتانية: التعامل مع قضية الصحراء باعتبارها ملفا إقليميا تتداخل فيه
الواقعية السياسية مع مصلحة الدولة، والابتعاد –ولو بالتدريج –عن دعم طروحات لم
تعد منسجمة مع موازين القوى الراهنة في شمال وغرب إفريقيا.
ولعل أكثر ما يلفت في تصريحات ولد مدو،
ليس ما قيل؛ بل ما تم تجنبه، فالصمت المتعمد عن أسماء بعينها، وتجنب الاصطفاف
الواضح، لا يُخفي التوجه العام: موريتانيا تُعيد تموضعها في ملف الصحراء، وتفعل
ذلك بصمت دبلوماسي محسوب، يوازن بين علاقاتها التقليدية، ومصالحها الأمنية والتنموية
المتزايدة، وتغير ميزان التأثير الإقليمي الذي بات يميل بشكل ملحوظ إلى صالح
المغرب.
قد لا تُعلن نواكشوط في الوقت القريب
تحولا رسميا في موقفها من الصحراء، لكن اللغة تغيرت، والموقع الرمزي يتغير
تدريجيا.
والأكيد أن الوزير لم يكن فقط يتحدث عن مهاجرين…؛ بل عن توازنات سياسية تُعاد صياغتها في الخفاء.