عبدالإله الوزاني التهامي
كيف حال تغسة حاليا؟!:
في جولة خفيفة زرنا أثناءها مدينة تغسة
التابعة لجماعة أمتار، اكتشفنا الذخائر التي أهملها الإنسان طواعية أو كرها، ذخائر
تتجسد في ما تقع عليه عيناك من أنماط معمارية في البناء يجمعها الحجر الجميل
والأقواس، تتجسد أيضا في الأزقة الضيقة والمتوسطة التي كانت مرصفة بالحجارة بنظام
محكم، وأكثر ما يلفت انتباهك تلك الأبواب الخشبية المطبوعة بأقواس مثناة ومثلثة
يجمعها إطاران وأكثر مستوحاة من أنماط أندلسية أصيلة.
وأما الأفران التقليدية فإن سحرها لا
يسمح لك بالمرور دون وقفة تأمل في شكله وفي طريقة ومواد بنائه، بذلك أيضا تستحضر
المعدن النفيس لنساء البلدة المباركة.
بنيت تغسة في الغالب على حقب وفترات
تاريخية عديدة، حيث نجد في الجبل بقايا بيوت واسعة مختلفة ومتعددة المرافق، مبنية
أبوابها ونوافذها على شكل أقواس متجانسة،
وكلما نزلنا اتجاه الواد أي أسفل القرية إلا وعثرنا على بنايات شاهقة بأبواب
خارجية ضخمة وأبواب مرافق داخلية أقل علوا، ونوافذ صغيرة بشبابيك حديدية بديعة،
يقال أن كل ذلك بني وفق احتياطات مضادة لأحوال الطقس وكذلك واقية من الجانب
الأمني، إذ أن المنطقة عرفت سلسلة هجمات خطيرة استهدفت الساكنة والمجاهدين
والمتصوفة، الذين رابطوا في هذا الثغر الساحلي المهم من ثغور المسلمين.
في البلدة ملامح ساطعة للنمط المعماري
الأندلسي شيدته أيادي الموريسكيين الأندلسيين الذين زادوا البلدة غنى وثراء على
مستويات العيش المختلفة بما حملوه من ثقافة متحضرة من بلاد الأندلس، وفيها ضريح
سيدي أحمد الخليل المشار إليه أعلاه وبجواره دار للضيوف وزاوية، مما يدل على أن
الأهالي كانوا مشبعين بفضيلة التعلم والتفقه والمرابطة للدفاع عن الأحواز بالعلم
والمعرفة والسواعد.
ويوجد على بعد قليل من القرية ضريح
ينسب لصاحبه الولي الصالح سيدي عبدالرحمان تحيطه مقابر أهل البلدة محدودة بغابة.
وعلى الشاطئ يوجد ضريح آخر شهير اسم
صاحبه سيدي العطار، له مكانة خاصة في وجدان أهالي المنطقة وكل غمارة.
وعن الماء ومنابعه المحيطة بالبلدة من
كل جانب فحدث بنعمة ربك واشكره، بثت هذه المادة الحيوية في الحقول الحياة ونوعت خضرها وفواكهها، على
طول الواد يمينا وشمالا، وقيل أن سبب تمسك بعض الأهالي بالبلدة سببه وفرة مياه العيون.
الغريب أن البلدة هجرت من طرف سكانها
القدامى، منهم من هاجر إلى المدينة أو المهجر،
وفئة منهم هبطوا اتجاه الشاطئ لمزاولة الصيد وبحثا عن موارد العيش الكريم،
كيف لا يهجرونها وهي تفتقر لأهم شرط الاستقرار والحركة، يتعلق الأمر بعدم وجود
طريق رابط بين القرية -تغسة- وبين الطريق الساحلي الرئيسي، -ومرافق أخرى-، مما يضع
الساكنة بكل أجيالها في حصار وعزلة، لا تترك لهم حلا ولا خلاصا غير الهروب الجماعي
وقلوبهم تعتصر ونفوسهم تتحسر على الجوهر المفقود.
في المقابل لمسنا -أمل أو بعض الأمل-
في شباب له رؤية بعيدة المدى، عبروا عنه برغبتهم في خدمة البلدة وفي الدفاع عنها
على أوسع نطاق ولدى جميع الجهات، قصد الإحياء والتجديد، بتوفير المرافق الأساسية
وعلى رأسها الطريق.