فجر الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أزمة دبلوماسية جديدة، يراها خبراء تعكس
الانقسام المتزايد داخل المعسكر الغربي حول أزمات الشرق الأوسط وسط التصعيد بين
إسرائيل وإيران.
ورأى الخبراء في العلاقات الدولية أن
الحدة التي طبعت تصريحات ترامب الأخيرة تظهر نفاد صبر الإدارة الأمريكية من
المبادرات الأوروبية، خصوصا الفرنسية، التي تعتبرها واشنطن "بطيئة وعديمة
الأثر" في أوقات الأزمات.
وبحسب الدكتور بيار مارسيه، الباحث في
"معهد العلاقات الدولية الفرنسية"، لموقع "إرم نيوز"، فإن
"ماكرون يحاول لعب دور الوسيط المستقل، لكن واشنطن لا تثق بهذا المسار، وتفضل
الحسم السريع أو الردع العسكري"، مضيفا أن التصعيد الكلامي بين الرئيسين يعكس
فجوة استراتيجية واضحة، خصوصا في التعاطي مع الملف الإيراني.
وأشار مارسيه إلى أن "محاولات
ماكرون لترميم العلاقة الأمريكية – الإيرانية عبر وساطة أوروبية لم تلق يوما قبولا
أمريكيا حقيقيا، وهو ما يظهر اليوم في موقف ترامب، الذي يرى في ماكرون مزاحما وليس
شريكا في صياغة الحلول".
وأضاف: "المفارقة أن ترامب يتهم
ماكرون بالتضليل، بينما هو نفسه يُطلق إشارات متناقضة، من الدعوة إلى وقف إطلاق
النار، إلى التحذير من البقاء في طهران، إلى مغادرة قمة مجموعة السبع فجأة".
وقد بلغت الأزمة ذروتها حين هاجم ترامب
نظيره الفرنسي عبر منصته "تروث سوشيال"، متهما إياه بـ"تشويه
نواياه بشأن إيران"، بعد أن غادر قمة مجموعة السبع في كندا متوجها إلى
واشنطن.
وكتب ترامب: "إيمانويل ماكرون
ادّعى كذبا أنني غادرت القمة من أجل التفاوض على وقف إطلاق النار، هذا غير صحيح!
لا يعلم شيئا عن السبب الحقيقي لمغادرتي".
وتابع ترامب: "الأمر لا يتعلق
بوقف إطلاق النار؛ بل هو أكبر من ذلك بكثير، سواء كان ذلك خطأ متعمدا أم لا، فإن
إيمانويل دائما ما يخطئ".
أما جان-باتيست لوكلير، الباحث في
"مركز مونتين للدراسات الاستراتيجية"، فيرى في حديث لـ"إرم
نيوز" أن "ما يجري ليس شجارا طارئًا؛ بل هو انعكاس لانفصال عميق بين
الرؤية الفرنسية التعددية وبين نهج ترامب الأحادي المرتكز على القوة".
وقال إن "ترامب لا يستهدف شخص ماكرون
بقدر ما يعبر عن موقف سياسي يرى أن أوروبا، وبخاصة فرنسا، لم تعد لاعبا مركزيا في
قضايا الشرق الأوسط؛ بل صوتا معارضا للمقاربة الأمريكية".
كما أشار لوكلير إلى أن فرنسا تحذر منذ
سنوات من أن إسقاط النظام الإيراني بالقوة سيخلق فراغا استراتيجيا في المنطقة، بعكس
نهج ترامب القائم على الردع العسكري دون النظر إلى التداعيات الإقليمية.
ورغم حدة لهجته، فإن موقف ترامب بدا
مرتبكا، فقبل تغريدته الهجومية، أعلن عن قرب التوصل إلى "اتفاق" لوقف
إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، قبل أن يعود ليحذر الإيرانيين من البقاء في
طهران، ويأمر بإخلائها فورا.
وقالت المتحدثة باسمه، كارولين ليفيت،
إن مغادرته كندا جاءت بسبب "تطورات خطيرة في الشرق الأوسط".
ونقل موقع "أكسيوس" أن
واشنطن لا تزال تسعى لمسار دبلوماسي، وتشير إلى مشاورات محتملة لعقد لقاء بين
المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
في المقابل، قال ماكرون على هامش قمة
السبع إن تحقيق وقف إطلاق النار سيكون أمرا جيدا إذا نجحت واشنطن؛ لكنه أبدى تشككه
في حدوث تغيير وشيك، محذرا من مغبة الانخراط في مغامرة عسكرية ضد إيران.
وأضاف: "من يعتقد أنه يمكن إنقاذ
دولة ضد إرادتها ومن خلال القصف، فهو مخطئ دائما".