بقلم الأستاذ حميد طولست
الوطنية، كما نفهمها، ليست سِلعة في
سوق المزايدات السياسية، وليست قصيدة تنتهي بشعار "الموت لإسرائيل".
الوطنية هي موقف أخلاقي قبل أن تكون اصطفافًا سياسيًا. أن تكون وطنيًا يعني أن
تملك الجرأة على رفض الظلم والقتل، أيًا كان مصدره، وأن لا تبرر القمع فقط لأنه
موجه لعدوّ مشترك. فالوقوف مع المظلوم لا يمر عبر التطبيع مع ظالم آخر.
نحن مع فلسطين، لا شك في ذلك. لكننا
أيضًا مع أطفال سوريا واليمن والسودان والعراق وأوكرانيا… مع كل الأبرياء الذين
يسقطون تحت قصف الطائرات أو تحت أحذية الميليشيات أو بين أنياب الحروب الدينية
والطائفية. إن انتقاء التضامن على أساس الهوية الدينية لا على أساس الإنسانية،
يعكس خللًا عميقًا في البوصلة الأخلاقية.
لسنا هنا بصدد التنظير المجرد. فالفتوى
الشهيرة التي وردت في مجموع فتاوى ابن تيمية (المجلد 28 ص 118): "المؤمن تجب
موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك"،
تجد صداها اليوم في خطاب بعض الفقهاء والوجوه الدعوية، الذين لا يرون في إيران
الملالي إلا "حليفًا دينيًا"، حتى وإن تآمرت على وحدة المغرب الترابية،
ودعمت بالسلاح والانخراط العسكري جماعات انفصالية تهدد أمننا القومي.
تصريحات من قبيل ما قاله أحمد الريسوني
– "الواجب على المسلمين مساندة إيران في مواجهة العدوان" – تثير تساؤلات
حقيقية: بأي منطق يُطلب من المغاربة مساندة نظام لم يكن يومًا صديقًا لهم؟ كيف
يمكن الدفاع عن إيران التي أُدينت رسميًا بدعم البوليساريو عبر حزب الله وحماس،
وبتورط أجهزتها في زعزعة الاستقرار الإقليمي؟
هل ننسى أن المغرب قطع علاقاته مع
طهران بناءً على معطيات استخباراتية دقيقة تؤكد عداءها المباشر لوحدتنا الوطنية؟
هل نغضّ الطرف عن هذا كله فقط لأن النظام الإيراني يرفع شعار "القدس"؟
إن القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى
تبييض وجه نظام طائفي متشدد، بقدر ما تحتاج إلى تحالفات عادلة وشريفة. من يساوي
بين عدوه وعدو وطنه فقد خان المبادئ مرتين: مرة حين سكت عن ظلم الأقرب، ومرة حين
استبدل الخصم الحقيقي بخصم وهمي.
ويبقى جوهر الخطر: في تحول القضايا
العادلة إلى أدوات في أيدي تجار الدين والساسة الفاسدين. أن يُستغل اسم فلسطين
لتبرير دعم أنظمة تسحق شعوبها، وتخون حلفاءك، وتطعن في ظهرك باسم "الأمة
الإسلامية".
الأمر الذي يطرح السؤال الجوهري: لماذا
لا تستهدف إسرائيل "علماء" الدين في إيران، بينما تستهدف علماء الفيزياء
النووية؟ الجواب قد نجده في تحليل الكاتب أحمد عصيد، حين قال: إن هؤلاء العمائم
"يساهمون بفعالية في إبقاء شعوبهم في الجهل والتخلف، ويخدمون الاحتلال أكثر
مما يضرونه". بل إن كثيرًا من هؤلاء الشيوخ والدعاة يصرفون جهدهم في تخدير
الناس، لا توعيتهم، وفي تبرير الفقر والاستبداد، لا فضحهما.
وختامًا، فنحن لا نحتاج إلى دروس في
الوطنية من أولئك الذين يخلطون بين القضية العادلة والتحالفات القذرة، وبين الحق
والفتنة.
ولنا نثقة كاملة في موقف المغرب الرسمي، بقيادة جلالة الملك، وفي حكمته الواضحة : "قضية الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم". ومن يهدد وحدتنا الترابية، سواء باسم "القدس" أو باسم "الولي الفقيه"، فهو عدو صريح لا لبس فيه.