بقلم الأستاذ حميد طولست
من المحزن والمقلق في آن، أن تتحوّل
بعض المنابر السياسية إلى منصّات لتبرير مواقف لا تخدم إلا أعداء الوطن، بل تُضفي
الشرعية على خيانات متكررة تمس جوهر السيادة الوطنية. إن ما صدر عن عبد الإله بن
كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال المؤتمر الجهوي السابع للحزب
بجهة بني ملال خنيفرة يوم السبت 14 يونيو 2025، لا يمكن وصفه إلا بالخيانة الصريحة
للموقف الوطني المغربي تجاه من يعاديه ويهدد وحدته الترابية.
ففي خضم مذبحة متواصلة في غزة – وهي
جريمة تدينها المملكة قيادةً وشعبًا دون مواربة – اختار بن كيران أن يلبس عباءة
"الوحدة الإسلامية" ليمرر موقفًا داعمًا لإيران، الدولة التي لا تخفي
عداءها للمغرب، بل وتفتخر بدعمها العسكري واللوجستي للانفصاليين عبر ذراعيها حماس
وحزب الله اللبناني. فهل يعقل أن يُستغل الدم الفلسطيني لتبييض وجه نظام مهووس
بنشر الفتنة وتقسيم الدول العربية؟ وهل يُعقل أن تتجاهل قيادة حزبية مغربية هذا
التاريخ القاتم لإيران ضد المغرب، لمجرد دغدغة عواطف الشارع بشعارات المقاومة؟
بإدّعاء كاذب لبن كيران أن "الوقت
لا يسمح بالخصومات" مع إيران، لأنها "الدولة الوحيدة التي لا تزال تدافع
عن فلسطين"! ناسيا فيه – أو أراد أن يتناسى – أن تلك الدولة نفسها هي التي
سلّحت ودربت عناصر جبهة البوليساريو، وأن ممثلها في الأمم المتحدة وقف صراحة ضد
مغربية الصحراء. فهل صارت المقاومة مبررًا لتمرير الطعن في ظهر الوطن؟ أم أن
حسابات الانتخابات المقبلة تدفعه للتقرب من تيارات يعلم جيدًا أنها لا تمثل
الإجماع الوطني؟
الشعب المغربي لم يكن يومًا ضد فلسطين،
ولم يتوانَ يومًا عن دعمها ماديًا ومعنويًا، لكن الشعب نفسه يرفض أن تكون فلسطين
جسرا لعبور خناجر الغدر إلى خاصرة المغرب. لا يمكن للوطنية أن تكون انتقائية، ولا
للمقاومة أن تُستخدم لشرعنة مواقف تخدم أجندات طهران والضاحية الجنوبية.
والذي يؤسف له أن باقي تدخلات قادة حزب
بنكيران ، -خلال المؤتمر الجهوي السابع للحزب بجهة بني ملال خنيفرة – فجاءت جميعها
، لتأكيد أن المسألة ليست زلة لسان من بن كيران، بل موقف حزبي متكامل لا يرى في
إيران عدوا، بل شريكًا في "محور المقاومة"!
أي خلط هذا الذي يريد هؤلاء تسويقه؟
منذ متى كان عداء الكيان الصهيوني مسوّغًا لغض الطرف عن عدوانية إيران تجاه
المغرب؟ أليس من البؤس السياسي والأخلاقي أن تبرر مواقف دولة تُهدد وحدتنا
الترابية فقط لأنها ترفع راية فلسطين؟ أليس هذا هو النفاق بعينه؟
إننا أمام خطاب مفضوح، يخلط بين
القضايا ليُخفي حقيقة مرّة: هناك من يريد أن يعود إلى السلطة بأي ثمن، ولو على
حساب الوطن. هناك من يتاجر بفلسطين ويخون الصحراء. هناك من يتحدث عن "مواجهة
العدو الوجودي" لكنه يصمت صمت القبور حين يتعلق الأمر بمن يزرع الفتن ويموّل
الانفصال، فمن لا يملك الجرأة ليقول بملء فمه إن "الصحراء مغربية" لا
يحق له التنظير عن "الوطنية" و"الكرامة"
و"التضامن". ومن لا يُدين دعم إيران وحزب الله للبوليساريو ، لا يحق له
أن يزايد علينا في دعم فلسطين.
فالمملكة المغربية التي بُنيت بتضحيات
الشرفاء ، ليست ولن تكون حديقة خلفية لتنظيم الإخوان المسلمين، ولن يتسلَّم
لمتاجري النضال الزائف وأمراء الشعارات البالية.
كفى نفاقًا. فالوطن لا يُباع في مزاد الأصوات ولا يُرهن لإيديولوجيات مريضة. من لا يعترف بمغربية الصحراء، لا مكان له في المشهد الوطني. ومن يتخذ من فلسطين غطاءً لتبرير خيانة الوطن، فليعلم أن المغاربة يعرفون جيدًا من يقف معهم ومن يطعنهم.