عبدالإله
الوزاني التهامي
تبين للرأي
العام الوطني بشكل شبه مؤكد بأن لوبيات فساد لا تريد للجامعة أن تكون حقلا حقيقيا
للتحصيل العلمي والأكاديمي، ذلك لأنه في الوقت الذي يجب الضرب بيد من حديد على يد
المتورطين في قضايا فساد متجلية في بيع شواهد علمية عليا لا تنال إلا بشق الأنفس
أو مقايضتها مقابل "لحم البريئات" أو إسداؤها للمقربين والمعارف، ذاعت
بشكل مفبرك إشاعة إعفاء عميد كلية لا تزال بصمة تدبيره للشأن الإداري والأكاديمي
بها طرية وحديثة، حيث لم يتمم حتى مدة عام على إدارتها، لتطرح علامات استفهام
عريضة، لا جواب عنها سوى كون اللوبي المهيمن وطنيا على الجامعات يريد تغطية ملفاته
العفنة، وتضليل الرأي العام بجر إطار لا يد له لا من قريب ولا من بعيد فيما اقترف
من خروقات قبيل توليه منصبه.
تفاجأ الرأي
العام مؤخرا بحملة شعواء مليئة بالأكاذيب والمغالطات في حق عميد كلية الآداب
والعلوم الإنسانية الذي لم يمر بعد على تعيينه سوى بضعة أشهر، محملة إياه أخطاء وخروقات واختلالات -إن
وجدت- ارتكبتها الإدارة التي سبقته.
في زمن عزّت
فيه الكلمة الصادقة، وأصبح المبدأ يُقايَض بالمصلحة، نكتب اليوم شهادة لله وللوطن
وللملك، نرجو منها خدمة ثوابت الدولة بالكشف عن الحقيقة كما هي، ولا نريد
جزاءً ولا شكرًا، إلا أن نبرئ ذمتنا أمام خالقٍ مطّلعٍ على السرائر، وندفع الظلم
جميعا عن من لا يد له في خروقات أو فساد.
إن ما نسب إعلاميا -بإيعاز من فئة معينة- للعميد
الدكتور الطيب الشاهدي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، التابعة لجامعة
عبد المالك السعدي، من افتراءات مفبركة، يسائل في العمق الجامعة المغربية بشكل
عام، وكل مكونات جامعة عبد المالك السعدي على وجه التحديد.
للأسف، لقد
اختصرت بعض وسائل الإعلام -التي نقلت عن مصدر وحيد- السبب في إصدار قرار الإعفاء
(إن صدر حقا)، اختصرت السبب في «اختلالات
تدبيرية وإدارية». وفي حال صح هذا السبب، فإن ذلك ما يعني إعفاء أكثر من 80
بالمائة من مسؤولي مختلف المرافق الإدارية التي تشكل العمود الفقري للدولة
المغربية الشريفة. وهنا نتساءل: كيف يمكن قراءة الحكم القضائي الذي صدر لفائدة
طالب متضرر من خطأ تضمنته شهادة الدكتوراه، صدر عن إحدى المؤسسات الجامعية التابعة
لجامعة عبد المالك السعدي؟
ألا يمكن اعتبار ذلك خطأ إداريا وتدبيريا واضحا
وضوح الشمس!؟
كيف تفسر المصالح الوزارية ومعها مصالح رئاسة
الجامعة الخطأ، الذي كاد يعصف بالتماسك الوطني والمتمثل في اعتبار اللغة
الأمازيغية لغة أجنبية، وهذا باعتراف الوزير المكلف بالقطاع نفسه، حينها، تحت قبة
البرلمان؟
ألا توجد
أخطاء إدارية وتدبيرية في كل الجامعات المغربية، وفي كل جامعات العالم؟ إذا كان
الوازع في إعفاء عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان هو هذا الجانب فمن المنطق
والواقعية والواجب أن يشمل قرار الإعفاء كل مسؤولي جامعة عبد المالك السعدي دون
استثناء.
إليكم بعضا من هذه الأخطاء الإدارية والتدبيرية:
– هناك
مقاولات اتجهت إلى القضاء لأنها لم تتوصل بمستحقاتها، منذ سنوات، عن مختلف الخدمات
التي قدمتها للجامعة بموجب قانوني. بل، إن منها من كسب مؤسسة جامعية تابعة لجامعة
عبد المالك السعدي، بموجب حكم قضائي: ألا يمكن اعتبار ذلك خطأ تدبيريا وإداريا؟
– هناك ظروف
اشتغال مزرية يعمل تحت ظلها أساتذة بعض المؤسسات الجامعية، ومن ضمنها وفي مقدمتها
كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وأصول الدين، والمؤسسات التي ينظر إليها على أنها
لا تنتج الكوادر القادرة على ولوج سوق الشغل.
– هناك أساتذة
لم يتقاضوا تعويضاتهم منذ سنين، بعلم من الوزارة ورئاسة الجامعة. كيف، وما السبب
الله أعلم.
أليس هذا خطأ إداري وتدبيري جسيم؟
– ألا يمكن
اعتبار أن بنايات كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تعود للعصور الحجرية، خطأ
إداريا وتدبيريا بامتياز؟ كيف يمكن تفسير انعدام وسائل العمل اللوجيستيكية بهذه
المؤسسة وغيرها؟،
أليس ذلك خطأ إداريا وتدبيريا ينم عن مؤامرة
حيكت منذ حوالي سنة ضد هذه المؤسسة الجامعية، والآن والآن فقط بدأت تسطع في الأفق
تداعيات تلك المؤامرات المضادة لمصالح الدولة الاستراتيجية؟؟
– ألا يمكن
اعتبار تعيين أسماء متخصصة في مجال علمي لا علاقة له بتخصص المؤسسة الجامعية التي
عينوا بها. مثال: عميد بالنيابة على رأس كلية العلوم تخصصه الدراسات الإنجليزية،
في حين التعديلات الجديدة التي اتفق عليها الجميع، وحظيت باتفاق مختلف هياكل
الجامعة، هو احترام التخصصات، لا سيما في مجال البحث العلمي. إذا كان الأمر غير
كذلك، فلنا أن نقبل بتعيين متخصص في العلوم القانونية عميدا لكلية الطب والصيدلة.
هذه الملاحظة تؤكد: أن الجامعة تحل في سياق ما تحرمه في سياق آخر.
إذا قبل رؤساء
المؤسسات الجامعية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي بالطريقة التي يتم
الحديث بها عن احتمال إعفاء زميلهم،
فليدركوا جيدا أن الأمر نفسه سيلحق بهم، معناه أننا نقبل بأن يعم الفساد ومحاربة
المخلصين.
المطلوب -إذن- من رؤساء المؤسسات الجامعية
بالمملكة الشريفة التعبير عن غضبهم في وجه هذا الإجراء المتعسف، خدمة للدستور
ودولة المؤسسات، وأن يقدموا استقالاتهم تباعا حتى لا يتعرضوا لما تعرض له شخص حديث
التعيين يشهد له بالكفاءة والنزاهة، ومعروف بالخلق الحسن وبالعلم وبالشخصية
المتوازنة.
من البديهي
والطبيعي أنه قد تعتري السيد العميد نواقص
من الصفات البشرية، تعالج وتصحح بطرق سهلة،
لكنه بالتأكيد غير فاسد، وغير مرتش، وغير منافق، ووطني محب لبلده ولملكه
ولدينه.
إن التشهير بهذا الرجل المتشبث بأهذاب العرش
العلوي الشريف بصفته عميدا ونشر "خبر" إعفائه، قبل أن يصله بشكل
شخصي كتاب رسمي في الأمر، هو أكبر اختلال
تدبيري وإداري يجب أن تأخذه الجهات المختصة محمل الجد.
إذ أنه ما
دمنا في دولة الحق والقانون، على السيد الوزير المحترم أن يفتح تحقيقا في موضوع
تسريب القرار -إن صدر حقا- وموضوع التشهير بالغير باسم القرار الوزيري.
هل من الطبيعي أن يصل "قرار" إعفاء
مسؤول عن طريق الصحافة قبل أن يصل المعني كتاب رسمي في ذلك؟
إن ما تعرّض
له عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، من اتهامات تتعلق ب"خروقات
إدارية وتدبيرية"، لا يعدو أن يكون محاولة مكشوفة للتخلص من رجل لم يتورط في
الولاءات الضيقة، ولم يسعَ يومًا لاحتماءٍ بحزبٍ أو جماعة، بل جعل من ضميره
وإيمانه وإخلاصه للوطن غطاءه الوحيد. وانطلاقا من نظرية عمر القائلة: أمرت أن أحكم
بالظاهر والله يتولى السرائر، أمكن القول: لقد عرفه القريب والبعيد رجلًا يجتهد في
أداء واجبه، وفق قدراته وإمكانياته التي فضل الله فيها بعضنا عن بعض. فلم يكن ممن
يُراكم الامتيازات، ولا ممن يوزّع المصالح على المقربين، بل كان كثير التشاور.
ربما لم يكن في بعض الحالات يحسن اختيار من يتشاور معهم. ربما، وهذا وارد جدا.
واليوم، وقد
وجد نفسه أمام عاصفة من الادعاءات، والأفلام الخيالية والدرامية التي تستهدف شخصه،
بمكر وخبث، يتم تداولها في حقه، للأسف بسبب عمومية الادعاءات التي سربت للصحافة،
كتبريرات استند عليها قرار الوزارة، مما يعكس قصورا واضحا في التواصل الإداري
والمؤسساتي مع المحيط، ويعطي الشرعية لفرضية المؤامرة، من جهة، ومن جهة ثانية دخول
بعض التنظيمات الحزبية على خط أدلجة أنشطة وتحركات الرجل، والحال أنه في هذه
اللحظة بالذات الكل يطرق باب تقديم الولاءات لهذا الحزب أو ذاك. والتوقعات تقول:
إذا استمر الأمر على هذا الحال، فسوف تتعرض الجامعة المغربية «للحريك » الحزبي،
وسيأتي يوم تعرض فيه الدولة كل الإغراءات على من يتحمل المسؤولية فلن تجد.
إن الحقيقة
التي لا يريد البعض قولها هي أن غياب «الغطاء الحزبي»، وكذا صوفيته وتدينه على
المنهج الملكي المالكي المغربي، جعلتاه هدفًا سهلاً للتضحية به، من طرف المغرضين
والمتربصين، وكأنهم بذلك يفرضون قانونا معاديا لعرف وقانون وعادات وتقاليد الدولة
المغربية. وهل يُعقل أن يُحاسب رجل ويُدان فقط لأنه لم يدخل لعبة الاصطفافات
الحزبية؟ بدليل، أن هناك مسؤولون آخرون اقترفوا المصائب العظمى لم يستطع أحد لمسهم
فقط لارتدائهم العباءة الحزبية التي، في السياق الوطني الحاضر، مقاطعة من نسبة
عالية جدا من مكونات الشعب المغربي. مع العلم، مسؤولية الاختلال الإداري والتدبيري
في حال وجدا، تقيم درجة ضررهما، المادي والمعنوي، فإن كان للأمر علاقة مباشرة
بالمجالات السيادية، إذاك يمكن القبول بالوضع كما حدث مع واليي فاس ومراكش، إثر
صدور بلاغ الإعفاء الذي لم يكن عاما، بل كانت الأسباب التي أوردها واضحة ومباشرة
جعلت الرأي العام يعتقد بشرعيته ومصداقيته، ويعيد الحنين إلى مرحلة كان فيها رؤساء
الجامعات والمؤسسات الجامعية يعينون بطريقة سيادية.
نحن هنا لا
نُدافع عن شخص لاعتبارات شخصية، بل نقول كلمة حق نخدم بها مصلحة الدولة، وننصر بها
المظلوم، في وقت كثر فيه الصامتون والمتشفيون.
فليعلم من بيده القرار في هذا القطاع وغيره أن
التاريخ لا ينسى، والناس لا تُخدع طويلًا، وأن أعظم ما يُفتقد في الإدارة اليوم هو
الكفاءة والنُّبل والأخلاق، وهي الصفات التي تحلى بها هذا الرجل.
إن رفع الظلم
ورد الاعتبار للعميد الدكتور الطيب الشاهدي وتقويم اعوجاج القرار المتسرع المجحف
-إن كان رسميا- المتخذ في حقه أمر مطلوب وبشدة، لأن تداعيات ذلك الإجراء المزاجي
الجائر لا تخدم دولة الحق والقانون ولا تستجيب لما يتوخاه صاحب الجلالة من مؤسسات
الدولة.
لا نعتقد أن
الدولة ستتخلى عن نخبة متميزة من الأطر أنفقت من أجل تكوينها وتأطيرها ميزانيات
ضخمة، ومجهودات جبارة، لتعيين أفرادها على رأس مؤسسات جامعية وغيرها بغية تطوير مجال اشتغالها -لا يمكن- أن تخسر هذه
الأطر تحت ضغط إجراءات نفذها نافذون
لتصفية حسابات ولقضاء أغراض مادية شخصية صرفة.
إن أجهزة
الدولة تراقب المشهد عن كثب، وكل تفاصيل التلاعبات والتضليل والحيف ستقف على
حقيقتها، ولها من الآليات ما به تميز
المفسد من المصلح، ومن ثم سيتم اتخاذ المتعين في حق كل من يعبث بمصير دولة
يحكمها قانون ودستور ومؤسسات.