adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/06/02 - 6:14 م

في قلب مدينة فاس العريقة، حيث تتشابك دروب التاريخ بأزقة الحياة اليومية، تدور معركة صامتة لكنها مدوية في آن واحد، إنها معركة أطفال التوحد، الذين تحاول أصواتهم أن تخترق جدران الصمت والتجاهل، لتصل إلى مجتمع يبدو أحيانا وكأنه يفضل أن يغض الطرف.

في أحد مراكز الرعاية، تتكشف فصول هذه القصة، حيث تجلس أمهات بوجوه شاحبة، عيونهن تحمل قصصا لا تحصى من الألم والتحدي، بينما يحاول أطفالهن فهم عالم لا يفهمهم.

أمومة على المحك: حكايات من الصبر الذي لا ينفد

"ابني ليس مريضا، إنه فقط مختلف"، هذه الكلمات المدوية لفاطمة، التي تحتضن طفلها ذا السنوات الست، تلخص صراعا يوميا لا يتوقف، منذ أن لاحظت تأخر ابنها في النطق والتفاعل، بدأت رحلة ماراثونية من التشخيص الذي استنزف سنوات، ثم البحث المضني عن بصيص أمل في مراكز متخصصة وعلاجات مالية باهظة.

فاطمة ليست وحدها، فلكل أم هنا قصتها التي تبدأ بالحيرة، تمر بالإنكار، لتستقر في نقطة من التسليم ممزوجة بإصرار لا يلين، هذه الأمهات يواجهن تحديا مزدوجا، "رعاية أطفالهن وتأمين مستقبلهم"، وفي نفس الوقت، "مواجهة مجتمع لا يزال يرى التوحد وصمة عار أو مرضا مستعصيا".

دعوة للإنصاف: صراع حقوقي واجتماعي

يقف أحمد بغدادي، أحد الناشطين في مجال إعاقة التوحد، كصوت لهؤلاء الأطفال، مفسرا حجم التحدي: "المشكلة لا تكمن فقط في نقص الإمكانيات؛ بل في النظرة المجتمعية القاصرة. كثيرون يعتقدون أن هؤلاء الأطفال لا قيمة لهم، متناسين أن التاريخ يزخر بعباقرة توحديين غيروا وجه العالم".

هذا التصريح ليس مجرد كلمات؛ بل هو دعوة صريحة لإعادة تقييم، لإعادة النظر في حق هؤلاء الأطفال في التعليم، والدمج الاجتماعي، والعيش بكرامة كما هي متعارف عليها دوليا.

ماجدة العين، التي لا تنام في المركز، إحدى أبرز الناشطات في هذا المجال، تضيف بمرارة: "نستقبل سنويا حالات كثيرة تحتاج إلى رعاية متخصصة، لكن إمكانياتنا المتواضعة لا تسمح إلا باستيعاب عدد محدود. العمل التطوعي وحده لا يكفي لسد هذه الفجوة الهائلة. نحن نطالب بدعم حكومي حقيقي، لا مجرد وعود تتبخر في الهواء". هنا، تتضح الأبعاد الحقوقية للمشكلة: أين هو حق هؤلاء الأطفال في الوصول إلى الخدمات الأساسية التي يكفلها لهم القانون والدستور؟.

تحديات يومية وآمال صغيرة

خارج جدران المركز، تتفاقم معاناة الأسر، في بعض الأحيان المدارس ترفض استقبالهم، ونظرات الشفقة أو الازدراء تطاردهم في الشارع، بينما يغيب أي دعم حكومي ملموس، كثير من الأمهات يضطررن للتخلي عن وظائفهن لرعاية أطفالهن، مما يدفع بالأسر إلى حافة الفقر، في حلقة مفرغة من المعاناة الاقتصادية والنفسية.

ومع كل هذا الألم، يبقى هناك بصيص أمل يشع من أركان المركز، طفل كان يعاني صعوبة في التواصل، يرتجف صوته الآن ببعض الكلمات، هذه اللحظات الصغيرة، التي قد تبدو عادية للبعض، هي بمثابة انتصارات عظيمة تمنح العائلات والقائمين على المركز القوة لمواصلة النضال، إنها تذكير بأن خلف كل تحد، يكمن إنسان يستحق الفرصة.

نداء للمجتمع والضمير

إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟ وإلى متى سيظل أطفال التوحد وأسرهم يكافحون بمفردهم في معركة يجب أن تكون معركة المجتمع بأسره؟.

الإجابة ليست واضحة، لكن الشيء الوحيد المؤكد هنا هو أنهم لن يتوقفوا عن المطالبة بحقوق أطفالهن، إنها قضية إنسانية وحقوقية بامتياز، تتطلب تضافر الجهود والالتزام الحقيقي من الجميع.

وهل يمكن للمجتمع في فاس والمغرب أن يستجيب لصرخات هؤلاء الأطفال الصامتة ويحتضنهم بوعي وتقدير؟.