متابعة حميد طولست
في امتحان يُفترض أنه جزء من مادة
"أخلاقيات مهنة الصحافة"، طُلب من طلبة السنة الأولى بالمعهد العالي
للإعلام والاتصال (ISIC) بالرباط، يوم الجمعة 30 ماي، تحليل طريقة
تعامل المجلس الوطني للصحافة مع قضايا تخليق المهنة، وذلك من خلال "دراسة
حالة" الصحفي حميد المهداوي. وقد تضمن الامتحان سؤالًا صيغ بأسلوب يحفّز
الطلبة على الخوض في الجدل القائم حول مدى مهنية المهداوي، مع الحفاظ على طابع
تحليلي يفترض – نظريًا – الموضوعية.
غير أن هذا السؤال أثار جدلًا واسعًا،
ليس بسبب طبيعة القضية المطروحة فحسب، بل بالنظر إلى رمزية الاختيار وانتقائية
النموذج، في سياق سياسي ومهني يعرف توترًا بين مفاهيم الصحافة الكلاسيكية، وصعود
أصوات جديدة تمزج بين النضال الإعلامي والعمل الرقمي خارج الأطر التقليدية.
من حيث الشكل، يبدو الامتحان مشروعًا:
أستاذ يطرح حالة واقعية لتحفيز التفكير النقدي لدى طلبته. لكن من حيث المضمون، فإن
اختيار حميد المهداوي دون غيره كنموذج وحيد لدراسة العلاقة بين الصحفي والمجلس
الوطني للصحافة، يطرح أكثر من سؤال حول الغايات الرمزية والأيديولوجية الكامنة
وراء الامتحان.
فالمهداوي ليس شخصية عادية في المشهد
الإعلامي المغربي. إنه يمثل – في نظر الكثيرين – صوتًا احتجاجيًا، دفع ثمن
اختياراته المهنية غاليًا، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا. في المقابل، كان بالإمكان
طرح حالات أكثر وضوحًا من حيث خرق الضوابط المهنية، أو الغموض في الهوية الصحفية،
كما في حالة من يمارسون الإعلام دون بطاقة مهنية، أو من يُقدّمون محتوى صحفيًا في
الظاهر، لكنه لا يخضع لأي من معايير المهنة. لماذا إذن لم يقع الاختيار على هذه
النماذج؟ ولماذا استُثني المؤثرون الرقميون الذين يتجاوز تأثيرهم اليوم القنوات
الصحفية الكلاسيكية بكثير؟
الإشكال الأكبر ليس في المهداوي كشخص،
بل في تحويل قضية خلافية إلى سؤال امتحاني موجه لطلبة في أولى خطواتهم نحو فهم
المهنة. فالطالب يجد نفسه – دون أن يدري – أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الاصطفاف
ضمن خطاب يعتبر المهداوي مجرد "يوتوبري يسعى للبوز"، أو الدفاع عن رجلٍ
أدين قضائيًا، ما قد يُفهم كنوع من التمرد أو التسييس المرفوض في قاعة الامتحان.
بعبارة أوضح: الامتحان الذي يُفترض أن
يدرّب على التحليل، تحوّل إلى اختبار غير مباشر لدرجة انضباط الطالب للسردية
الرسمية أو تمرده عليها.
ثمّة جانب آخر لا يمكن إغفاله، يتعلق
بدور المجلس الوطني للصحافة نفسه، والذي أحيل عليه السؤال باعتباره "صاحب
الاختصاص" في تخليق المهنة. هذا المجلس، الذي لا يخلو سجله من قرارات جدلية،
يُطرح اليوم كمرجعية أخلاقية شبه مطلقة في تمرين أكاديمي، بينما لا يزال محل
مساءلة من قبل مهنيين كُثر حول حياده واستقلاليته ونجاعته.
إذا كان الهدف هو تعزيز الوعي
بأخلاقيات المهنة، فالأولى أن تُطرح المؤسسات ذات العلاقة بوصفها فضاءً للنقاش، لا
كمُسلّمة يُبنى عليها التحليل.
في نهاية المطاف، فإن الأدوار التي
تؤديها المعاهد الإعلامية لا يجب أن تنحصر في تلقين القوانين والمواثيق، بل عليها
أن تُربّي أجيالًا من الصحفيين القادرين على طرح الأسئلة، ومساءلة المؤسسات، وفهم
السياقات، لا فقط حفظ الحدود المرسومة مسبقًا.
الامتحانات التي تُصاغ بهذا الشكل،
مهما كانت نيات واضعيها، تتحول إلى تمارين في التطبيع مع سقف التفكير المسموح به،
وتغرس في عقول الطلبة فكرة أن هناك دائمًا "إجابة آمنة" وأخرى محفوفة
بالمخاطر.
ولعل أخطر ما يمكن أن يُزرع في عقل صحفي المستقبل، هو بذور "الرقابة الذاتية" والخوف من السؤال.