adsense

2018/08/08 - 1:09 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
ما سأكتبه اليوم ليس بخاطرة أدبية ولا مقالة أو تدوينة سياسية ، بقدر ما هو كم وفير من علامات التعجب والاستفهام والاستغراب المحيرة والمربكة التي حاصرتني من كل الاتجاهات بسبب الأمر المضحك المبكي ، والحالة المعيبة والجارحة إلى أقصى الحدود ، التي عشتها قبل أيام خلال تتبعي لخسوف القمر الذي شاهده المغاربة مساء يوم الجمعه 27.07.2018 ، على غرار الكثير من بلدان العالم، والذي فضح بشكل مريع  مدى تخلف المجتمع المغربي ، وأوضح بالملموس الصارخ ، أنه مجتمع لازال يعيش علىنفس المعتقدات المتخلفة والتفسيرات الغيبية الأسطورية للظواهر الطبيعية ، التي آمن بها الإنسان البدائي مند آلاف السنين ..
إنه حقا لأمر صادم ومفزع ، أن  تتحرر غالبية البلدان المتقدمة من جهلها  ويندثر ما تراكم منه عبر الزمان في ثقافاتهم ، وتقبى مجتمعات بلادنا المتخلفة ، تؤمن ، وفي القرن الواحد والعشرين ، بنفس التفسيرات البائدة للظاهرة الفلكية "خسوف القمر" التي تشكل لغالبيتها العظمى  مصدر ذعر ورعب وهلع  يفوق ما كان يعتري إنسان القرون الأولى ، الذي كان يحتمي بالكهوف والجبال كلما شاهد إحداها ، قبل أن يهتدب بالعلم أن الخسوف ليس أمرا شريرا من فعل الشياطين ، ولا فألا سيئا ينذر بالكوارث والمصائب، ويتوصل إلى أن الخسوف ظاهرة فلكية طبيعية المسؤول عنها هو القمر، وأن ظل الأرض الذي يلقي بنفسه على القمر ، هو المسؤول عن الخسوف ، وأن ذلك ليس من غضب الآلهة ولا من انتقام الأرواح الشريرة ، أو هجوم التنانين والذئاب المتوحشة ، كما كان معروفا لدى الإغريق الذين كانوا ينظرون إلى الكسوف والخسوف على أنهما من غضب من الآلهة ، كما اعتقد الصينيون بأن التنين يبتلع شمسهم ، وكانوا يحاولون ثنيه عن ذلك بقرع الطبول وقرقعة الأدوات المعدنية ، تماما كما كان يفعل الفايكينغ الذين ظنّوا أن الذئاب تمسك بالشمس وتخفيها عنهم ، ولم يكن الأوروبيون ساعتها بأحسن حال من هؤلاء ولا من أولئك ، حيث كانوا يعتبرون هم أن أيضا أن الغول هو الذي يخطف شمسهم ويسرق قمرهم ، وكانوا يواجهونه بالصراخ والعويل ليهرب ويتركهما ، أما مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع المغربي على وجه الخصوص ، الذي ارتبطت لذيه ظاهرتي الكسوف والخسوف بالدين – أو على الأصح - بضعف التدين وقلة التمسك بشرع الله المتمثل في تعري المرأة فقط ، فقد كان ولازال الكثير من المجتمع المغربي يرى أن الخسوف علامة من علامات الساعة ، وانذار بقرب نهاية الدنيا ، ونزول المصائب والكوارث بسبب خروج المراة من بيتها وعدم تحجبها وتبرقعها، وغير ذلك من التفسيرام الغبية ، والأساطر الخرافية المناقظة للدين والمنطق ، والتي سادت قذاراتها وانتشرت في ثقافتنا التي راكمت من تراث الأولين –اليهود والمسيحيين- مئات الألوف من الروايات والأقوال والأحاديث والوقائع المتشابكة ، التي تشكلت قناعات ومسلمات لا سند لها عن الظاهرة ، ولا يتقبلها إلا من تحنط عقله وتجمد وعيه وتغيب فكره ، وشكلت مع الأسف فرصة سانحة للخصوم والأعداء للتشهير بنا..
وفي ظل خضم هذا النحس ومعمعة ذاك الشؤم ، توارى المثقف الحقيقي ، ورجل الدين الصادق ، والفاعل الجمعوي الملتزم ، والمسؤول الحكومي والسياسي الوطني ، وتخلوا جميهم عن دورهم الأساسي في التكفل بِأمراض المجتمع ، وتصحيح نواقصه المعقدة التي تمس الناس في الصميم ، و اعرضوا عن معالجة العلل المتشابكة التي تصيب الحياة الاجتماعية، حاضرها ومستقبلها، وأمنها الاجتماعي ، فإنه ما على المسؤولين الوطنيين ذوي العقول الراجحة الذين  أدركوا فداحة الوضع وحجم التحدي ، إلا أن يأخذوا القرارات الحاسمة التي لا بد منها ، مهما كانت صعبة وقاهرة، لتسريع تنوير الأجيال الناشئة وتصحيح معلوماتها وزيادة معرفتها بما يحيط بها ويجول حولها ، بما يلزم من مناهج النقد والتحليل المعتمدة على وقوة العقل والمنطق والجرأة والإرادة ، حماية لهم من الأفكار المتخلفة والمتطرفة ، وإلاّ فلننتظر السقوط المدوي ، الذي مهما تأخّر في الوصول فإنّه قادم لا محالة بما يحمله من الأذى و الدمار و التخلف