adsense

2018/08/15 - 10:48 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
                            الحفاظ على الممتلكاتِ العامَّةِ نموذجا.  
كما سبق أن قلت في مقالة سابقة ، أني لا أدري كم مرّة زرت فيها باريس ، لكني متأكد أنني في كل مرة أزورها ، اكتشف الجديد في هذه المدينة المنظّمة المليئة بشكل لافت بالمنتزهات العامّة والخاصة ، التي كانت ولازالت مضرباً للمثل بما زرع بها من أغرب النباتات وأجمل المغروسات وأعطر الورود ومتنوع الأشجار المظللة المنمقة والمشذبة ، وبحدائق ألعابها المزينة بالنافورات والبحيرات الصغيرة والكبيرة ، الطبيعية والاصطناعية ، وملاعبها العملاقة وجسورها المتحركة وجامعاتها ومستشفياتها ومصانعها ودور السينما والمسارح بها، والمباني الزجاجية والخرسانية المناطحة للسموات ، بتصاميمها الهندسية العجيبة الرائعة المبتكرة الدالة على تقدم هذا البلد علميا وصناعيّا وزراعيّا وعمرانيّا وحضاريّا وعسكريّا ، ولا عجب في كون باريس كذلك وأفضل ، إذا عرفنا أن مواطنيها وبقية الشعب الفرنسي متشبعون بالوطنية -البعيد عن الوطنية التي يستعر منها بعض وزرائنا أو تلك الوطنية المقرونة عند بعض المرتزقة بشرب نوعية خاصة من الحليب- ويعبدون التفاني في الحفاظِ على ثرواتهم الوطنية، وحمايتها من كل أنواع التعدي والفساد المدني والاجتماعي والسياسي والبيئي ، والمادي والأخلاقي ، والحفاظ على سلامة مقوماتها وقِيَمِهِا المجتمعية ومُثلِها ومبادئِها وضَّوابطِها الأخلاقيَّةِ ، واحترام رموزهِا الوطنيَّة ، والالتزام بقيم التعاضد والتعاون والتواصل وتغليب المصلحةِ الوطنيَّةِ على المصلحةِ الخاصَّةِ والذَّاتيَّةِ ،  وتقديم القدوة الحسنة ، والمحافظةُ على الممتلكاتِ العامَّةِ ، مربط الفرص ، الذي وقفت عليه ودونته في الصورة المرفقة بالمقالة التي التقطتها لسيارات المهمة المخصصة لمسؤولي إحدى مؤسسات الدولة ،  وهي مركونة يومي السبت والأحد بباحة "الجماعات المحلية لـ "لو فيزيني" بأحد ضواحي باريس ، ولا أحد يستغلها خارج أوقات العمل ، بما فيهم رئيس الجماعة ونوابه ،  ما يظهر وبالملموس مدى حب الفرنسيين لممتلكاتِهم العامَّةِ التي يحافظون عليها كما يفعلون مع ممتلكاتهم الخاصة ،  ليس لأنهم ملائكة ، ولكن لخوفهم من القوانين الصارمة التي تطبيق في حق من يعبث بشؤون البلاد والعباد ، ما يجعل كل من يريد سرقة الأموال العامة الاستحواذ عليها بدون وجه حق ، يتراجع عن ذلك كأساس إلزامي لاستمرار حياتهم الفرنسية المتميزة ، آمنة من كل المخاطر ؟؟؟!! ولعلّ في ذاك ما يعضّد مقولة الشيخ محمّد عبده :"رأيتُ في الغرب إسلاما بلا مسلمين"، والتي أطلقها إبّان سفره إلى فرنسا واطّلاعه على أخلاقياتٍ جيّدة حثّ عليها الإسلام وافتقدها في عقر دار المسلمين..