بقلم الأستاذ محمد كفيل
أحمد عصيد الذي اكتشف فجأة أن القرن الثاني الهجري كان قرنًا للمثليين والسحاقيات، ونَصّب نفسه مفتّشًا أخلاقيًّا على التاريخ الإسلامي… مستندًا، ويا للمفاجأة، إلى كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني، وكأنه وثيقة تشريعية أو تقرير إحصائي رسمي صادر عن منظمة الصحة العالمية في الدولة العباسية!السيد عصيد، يبدو أنك قرأت “الأغاني”
لا لتنهل من الشعر والموسيقى والأدب، بل لتفتّش بين السطور عن ما يسوّغ لهواك، كما
يفتّش المراهق المتعطش بين الكتب القديمة عن كلمة خادشة ليستعرض بها شجاعته
الفكرية!
دعنا نوضح لك، ولمن يتبعك في هذا
الخيال الوردي:
1. كتاب “الأغاني” ليس كتاب حضارة، بل مختارات
أدبية فيها الغث والسمين، فيه أخبار شعراء، مغنين، ومجون، أي أنه يشبه أرشيف
الفضائح في المجلات الصفراء أكثر مما يشبه سيرة حضارة بأكملها.
2. لو كنت باحثًا حقًا، لعرفت أن الإسلام – الذي
تحاول ربطه بالشذوذ – قد حرّم المثلية صراحةً، بل كانت تقام الحدود على من يثبت
فعله.
3. أما قولك إن القرن الثاني الهجري كان قرنًا
مثليًّا، فهذه نكتة تستحق أن تُعرض في مهرجان “مراكش للضحك”، لأن هذا القرن هو
نفسه الذي أنتج:
• أعظم أئمة الحديث والفقه: مالك، الشافعي، أبو
حنيفة.
• وازدهرت فيه علوم النحو، والتفسير، والطب،
والفلك.
• وأسست فيه الدولة العباسية علوم الترجمة
والنقل والتأليف.
فهل هؤلاء كلهم كانوا “زينة الحياة
المثلية” في رأيك؟ أم أنك فقط اخترت صفحة من صفحات المجون في كتب الأدب، وعمّمتها
على حضارة بأكملها؟ كمن يقرأ عن حفلة صاخبة في باريس ثم يقول: “الحضارة الفرنسية
قائمة على الخمر والرقص!”
ثم دعنا نسألك:
• هل قرأت شيئًا في كتب الطبقات أو التاريخ يشير
إلى أن المثلية كانت مقنّنة؟
• هل وجدت “وزارة الشذوذ” ضمن دواوين بني
العباس؟ أم “ديوان السحاق” في فهرس بيت الحكمة؟
يا سيّد عصيد، محاولتك اليائسة لسلخ
الحضارة الإسلامية عن أخلاقها ودينها، تمامًا كمحاولة زرع وردة في رمال الصحراء…
قد تثير الغبار، لكن لا تعطي ثمرة.
نصيحة أخيرة، بدل أن تبحث عن الجنس في
كتب التراث، ابحث عن النزاهة في كتب الرجال ، فلعلّك حينها تكتشف أن التاريخ لا
يُؤخذ من “الأغاني” وحدها، وأن الكذب لا يصير رأيًا بمجرد أن يقال بصوت عالٍ.