adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/06/14 - 10:00 ص


بقلم الأستاذ حميد طولست

في مشهد يعيد إنتاج أحد أوجه النفاق السياسي الذي اعتادت عليه الساكنة، خرجت للعلن تفاصيل اجتماع ليلي داخل فندق مصنف بمدينة فاس، حضرته بعض "الفعاليات" التي نصّبت نفسها ـ دون تفويض شعبي أو شرعية ديمقراطية ـ ناطقة باسم ساكنة المدينة، لتناقش ملتمس عفو ملكي عن الوالي السابق السيد الجامعي-الذي نكن له كل التقدير والاحترام- الذي أعفي من مهامه في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ليس في الدعوة إلى العفو ما يثير الريبة في حد ذاته، لو جاءت من أفراد يمارسون حقهم كمواطنين. لكن أن يُرفَع الملتمس باسم عموم ساكنة فاس، دون علمها أو موافقتها، وفي ظل ما تعانيه من أزمات خانقة، فتلك مصادرة فجة لإرادة الناس، وتوظيف مفضوح لرمزية المدينة في خدمة حسابات ضيقة.

كيف يُعقل أن تلتئم هذه "النخبة" بسرعة استثنائية لتدارس مصير مسؤول سابق، بينما تغض الطرف عن بطالة شباب المدينة المتفشية، وتفاقم أزمة النقل، وتدهور البنية التحتية، خاصة في الأحياء الهاشمية التي تعيش على هامش الاهتمام الرسمي؟ بل كيف تُقدَّم صورة عن مدينة موحدة خلف هذا "الملتمس"، فيما الواقع يصرخ بإهمال مزمن ونزيف اجتماعي واقتصادي يزداد عمقًا كل يوم؟

لقد وجّه أحد النشطاء السياسيين –لحسن ساعو- بفاس تساؤلًا مشروعًا إلى هؤلاء المجتمعين في الظل: لماذا لا تجتمعون، ولو مرة واحدة، لتدارس ملتمس من أجل فاس؟ من أجل أهلها؟ من أجل أطفالها الذين يدرسون في أقسام مكتظة، وشبابها الذين يبحثون عن شغل فلا يجدون، ونساءها اللواتي ينتظرن وسيلة نقل تحفظ كرامتهن؟ لماذا لا يكون هناك حراك حقيقي يطالب بمشاريع تنموية، وبإخراج المدينة من تهميشها، بدل الانشغال بتبييض وجه مسؤولين انتهت مهمتهم؟

ففاس لا تحتاج إلى ملتمسات تستنجد بذاكرة السلطة، بل إلى إرادة جماعية تُنصف حاضرها وتؤمّن مستقبلها. تحتاج إلى من يدافع عن حقها في التنمية، في التشغيل، في الكرامة، لا إلى من يتسابقون على تصدر المشهد كلما تعلق الأمر بالولاء الشكلي والاصطفاف الانتهازي.

فلو اجتمعت هذه "الفعاليات" مرة واحدة في قاعة عمومية، وليس في فندق خمس نجوم، للحديث عن واقع المدينة، وتقديم ملتمس لصاحب الجلالة يطالب بإنصاف فاس ومحاسبة المعرقلين لتطورها، لربما استحقوا فعلا أن يُصغى إليهم، وأن يحملوا صوت المدينة. أما أن يُختزل الفعل المدني في ملتمس مفاجئ، لا يخدم سوى إعادة تدوير النخب، فذلك ما لن يغفره التاريخ، ولا الساكنة.