متابعة حميد طولست
أثار الحكم الصادر مؤخرًا عن المحكمة
الابتدائية بمشرع بلقصيري في قضية الشابة خديجة جدلاً واسعًا، بعد أن قضى بإدانة
المتهم الرئيسي بشهرين وغرامة من الحبس النافذ، في واقعة كانت في بدايتها توصف
بأنها اعتداء دموي خطير تسبب في 88 غرزة على وجه الضحية المفترضة.
القضية، التي هزّت الرأي العام محليًا
ووصل صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت تحولًا مثيرًا خلال المحاكمة، بعد
تقديم تسجيل صوتي يُنسب لصديقة الضحية، تعترف فيه بأن خديجة هي من تسببت في جروحها
بنفسها، وهو ما اعتبره دفاع المتهم "دليلاً دامغًا" ينفي صك الاتهام
الأصلي.
تفاصيل الجلسة: من جريمة عنف إلى مجرد
مخالفة جنحية
وفق المعطيات الأولية، تعود أطوار
الحادثة إلى جلسة خمرية ضمت أربعة أشخاص، من بينهم خديجة والمتهم. وقد انتشرت منذ
البداية رواية تفيد بأن هذا الأخير قام بتحطيم زجاجتين واعتدى بهما على وجه
الضحية، ما تسبب في جروح عميقة، قبل أن تُدعم الرواية بشهادتي صديقتها وصديقها
أمام الضابطة القضائية.
غير أن تطورًا نوعيًا حصل أثناء
المحاكمة، حين قدم دفاع المتهم تسجيلاً صوتيًا لصديقة الضحية تعترف فيه بشكل واضح
بأن خديجة جرحت نفسها عمداً، وهو ما دفع المحكمة إلى إعادة تقييم ملابسات القضية،
لتسقط تهمة الاعتداء الخطير، ويُكتفى بإدانة المتهم بتهم أقل، بينها "إعداد
وكر للدعارة" و"تعاطي الكحول"، حسب ما أفاد مصدر قضائي مطلع.
ردود فعل منقسمة: "تسجيل تحت
التهديد" أم "شهادة حاسمة"؟
ورغم أن المحكمة أخذت بالتسجيل ضمن
أدلة البراءة، فإن تصريحات لاحقة نسبت إلى الشاهدة صاحبة التسجيل، تفيد بأن
أقوالها كانت "نتيجة ضغط وتهديد"، ما أعاد الجدل إلى نقطة الصفر.
عدد من المتابعين للقضية عبروا عن عدم
اقتناعهم بالرواية الجديدة، مستنكرين أن "امرأة تشوّه وجهها بهذا الشكل
الوحشي"، معتبرين أن الحكم الصادر "لا يتماشى مع حجم الأذى
الجسدي"، مطالبين بفتح تحقيق موسّع ومستقل في حيثيات الملف، بمن فيهم من اتهم
الشاهدة بارتكاب شهادة زور دون أن تُتابع قضائيًا.
في المقابل، اعتبر آخرون أن التسجيل
الصوتي كشف محاولة تلفيق خطيرة، وأن المحكمة تعاملت بحكمة مع المعطيات الجديدة،
مما جنّب المتهم عقوبة جائرة كانت ستُبنى على شهادة غير صادقة.
الرأي العام تحت صدمة التضارب
التفاعل الكبير مع القضية على وسائل
التواصل الاجتماعي يعكس انقسامًا حادًا في الرأي العام المغربي بين من يرى أن
خديجة ضحية اعتداء وطمس للعدالة، وبين من يعتبرها ضحية رواية مفبركة سقطت أمام
الأدلة التقنية.
تعليقات كثيرة شددت على أن
"القضية تحولت من مأساة إلى فضيحة أخلاقية"، وتساءلت عن "الجهة
التي تحمي المتورطين في شهادة الزور"، وعن "سرّ تغييب معطيات أخرى، مثل
شهادة المسؤول المكلف بالملف أو تفاصيل محاولة تقديم رشوة للشاهدة"، وهي معطيات
تم تداولها بشكل واسع دون تأكيد رسمي.
هل تُفتح القضية مجددًا؟
وفي ظل هذا الجدل، تبقى إمكانية
استئناف الحكم واردة من طرف المدعية أو النيابة العامة، خاصة في ظل بروز روايات
متعارضة، وتناقض واضح في الشهادات. ويتابع الرأي العام عن كثب ما إذا كانت المحكمة
الاستئنافية ستأخذ بتصريحات الشاهدة الجديدة حول "التهديد"، أو تؤكد
الحكم الابتدائي.
من جهته، طالب عدد من الفاعلين
الحقوقيين بفتح تحقيق في مجمل جوانب الملف، بما في ذلك مدى قانونية التسجيل، وظروف
أخذه، وتداعياته على العدالة.
وبينما لا يزال كثيرون يرددون:
"هل يُعقل أن تشوّه فتاة وجهها بيدها؟"، فإن آخرين يعتبرون أن ما وقع
يطرح أسئلة أعمق حول هشاشة منظومة الإثبات في القضايا الجنحية، وخاصة تلك التي
تتقاطع فيها الأبعاد الأخلاقية والنفسية والاجتماعية.
القضية لم تُغلق في الوجدان العام.. بل
بدأت للتو. وإلى متابعة أخرى.