بقلم الأستاذ
حميد طولست
بين النزاهة
المهنية والانحياز غير المعلن
يحسن جعواني
توجيه انتباه القارئ إلى خطورة التعميم وإلى آثار "المحاكمات الشعبية"
على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو بذلك يذكّرنا بدور القضاء كجهة وحيدة مخوّلة
بالحكم. هذه مقاربة مبدئية صحيحة لا غبار عليها، لكن المقال – رغم حرصه الظاهري
على الحياد – ينزلق أحيانًا إلى الدفاع غير المعلن عن المؤسسة الجامعية، من خلال
خطاب يجنح إلى التبرير بدل المواجهة الصريحة.
ففي حين يُدين
"إن ثبت" حالة بيع شهادات، لا يولي المقال اهتمامًا كافيًا بطبيعة
"المنظومة" التي تسمح لهذا النوع من التجاوزات بالحدوث أساسًا، بل
يتفادى التساؤل عن شروط إنتاج هذا الفساد، وعن المسؤوليات الهيكلية والإدارية
والمهنية التي يُفترض أن تُطرح بلا مواربة.
تحييد
الإعلام: طرح إشكالي وغير بريء
ينتقد الكاتب
ما يسميه "الانفلات الإعلامي"، لكنه يتجاهل أن جزءًا كبيرًا من قضايا
الفساد في المغرب ما كانت لتُطرح للنقاش أصلًا لولا يقظة الإعلام البديل والصحافة الاستقصائية،
في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد البنيوي. وفي هذا السياق، يصبح
التساؤل عن "قانونية نشر اللوائح" مجرد محاولة لإفراغ القضية من بعدها
الأخلاقي والمجتمعي العميق، خاصة حين يُربط نشرها بـ"التشهير" بدل ربطه
بمطلب الشفافية والمساءلة.
تغليب صورة
الأستاذ على مصلحة المؤسسة
يظهر من بنية
المقال أن الهاجس الأساسي للكاتب هو "الدفاع عن صورة الأستاذ الجامعي"،
وهو ما قد يبدو إنسانيًا ومشروعًا في الظاهر، لكنه يتعارض أحيانًا مع المصلحة
الكبرى: حماية الجامعة كمؤسسة من التآكل الداخلي. حين يصبح الخوف على سمعة بعض
الأفراد أهم من ضرورة تفكيك شبكات الزبونية والفساد التي نخرت بنيان الماستر
والدكتوراه، فإن الخطاب ينتقل من الإصلاح إلى التواطؤ الرمزي.
وفي تأمل شخصي
، وكمواطن مغربي، وكأب تابع عن كثب مسار أبنائه في التعليم، لم أكن يومًا أتخيل أن
تأتي لحظة أطرح فيها هذا السؤال الثقيل: هل ما زالت الجامعة المغربية، كما
عرفناها، فضاءً للجد والاجتهاد؟ أم أصبحت، في بعض جيوبها المعتمة، سوقًا مفتوحة
لمن يدفع أكثر؟
لقد رأيت
بنفسي طلبة نجباء أُقصوا من الولوج إلى سلك الماستر لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة،
وسمعت شهادات صادمة من داخل بعض الكليات، عن لقاءات تتم خارج الحرم الجامعي، وعن
وساطات تُطبخ في مقاهٍ بدل قاعات الدرس. هذا الواقع المؤلم ليس إشاعة، بل صار
معلومًا لدى الجميع، ويتم تداوله بهمهمات حزينة داخل الأسر، وبين الأساتذة النزهاء
الذين ضاقوا ذرعًا بالصمت.
دعوة إصلاحية
بلا أنياب
ينهي الكاتب
مقاله بدعوة إلى "إصلاح شامل"، لكن هذه الدعوة تظل خطابية، فضفاضة، ولا
تترجم إلى مقترحات ملموسة أو إلى تفكيك جريء لآليات "الريع الأكاديمي"
التي أشار إليها على استحياء. بل إن المقال يتفادى تسمية الأشياء بمسمياتها: من هم
المستفيدون من هذه الريوع؟ من يوفّر لهم الحماية؟ كيف تُدار مباريات الولوج؟ من
يغطي على الفساد الإداري؟ هنا، تغيب الشجاعة النقدية، وتحضر اللغة التوفيقية، التي
تبدو في النهاية أقرب إلى خطاب الأعيان منه إلى خطاب النقد البنّاء.
في الختام:
قيمة المقال في ما لم يقله
رغم ما يشكّله
مقال جواد جعواني من محاولة لتبصير الرأي العام بخطورة التعميم، فإنه يعاني من ضعف
في تناول جوهر الفساد الجامعي كظاهرة نسقية لا استثناء شاذ. كما يفتقر إلى الجرأة
في كشف خريطة المصالح المتشابكة داخل بعض المؤسسات، ويغفل عن طرح سؤال أساسي:
لماذا فقد المواطن ثقته في الجامعة؟ هل بسبب منشورات فيسبوك، أم بسبب سنوات من
الارتجال، والزبونية، و"بيع الشواهد" تحت أعين الجميع؟
إن حماية
الجامعة لا تكون بالصمت، ولا بتبرئة الصورة، بل بالاعتراف العلني بأننا أمام أزمة
عميقة تتطلب أكثر من لغة العلاقات العامة.