بقلم الأستاذ حميد طولست
النص : في بلاد يتخاصم فيها الحظ مع
المنطق، وتتصالح فيها الشهادات العليا مع الشبهة، لم يكن ينقصنا سوى الـ"قيلش
اللي كيخلع"، ليُتمّ الحكاية كما تُتممّ الحكايات الملعونة: بضربة نهاية لا
تشبه سوى البداية.
التي أصبحنا نسمع معها خلال النكت
المهينة التي ملخصها: "واش قاري الماستر ولا شاريه؟"والتي تضحك البعض،
وترتبك البعض الآخر، من الذين حصلوا فعلاً
على الماستر بعرق جبينهم، وتغصّ قلوبهم بالحيرة: هل يدافعون عن أنفسهم أمام هذا
السؤال الجديد الذي ولد في سوق التعليم المستباح؟ والذي أصبح شعار المرحلة:
"كل حامِل لشهادة مشتبَهٌ فيه حتى تثبت براءته"؟
الفصل الأول: حيث يبدأ كل شيء من
حفرة
نشأ الفتى بين السوق والتيران، بين
فوضى البضائع وضجيج كرة القدم في "تيران الحفرة". وهناك تشكّل مثلث
شخصيته المبكرة: بين التجارة والرياضة والانتخابات المحلية ، التي كانت أول
امتحاناته في السياسة، حيث كان يركض فيها بين المرشحين كما يركض اللعب بين الفُرص
الضائعة. كان يتلون بسرعة: يرتدي "التوني الوردي" لحزب الاستقلال، ثم
يستبدله بـ"التوني الأزرق" للتجمع الوطني للأحرار، فقط لأن "اليوسفي"
صعد رئيساً للمقاطعة.
ولكن وفي غفلة من الجميع بنى به عمارة
بخمسة طوابق، ومقهى في طابقها السفلي، دون أن
يعلم احد من أين جاء بالمال ، رغم أنه موظف صغير في جماعة محلية؟ ومن
هنا... وُلد لقب جديد: مول الصنك.
الفصل الثاني: الدكتوراه في التسلّق
دائما في غفلة من الجميع، التحق بجامعة
القاضي عياض كأستاذ محاضر. كيف؟ الله أعلم. لم يكن معروفاً يومها بإنجاز أكاديمي
يذكر، اللهم تحرّشين على الأقل في كلية آسفي، نجا بجلده منهما ... وانتقل إلى
أكادير، حيث تبدأ قصة الـ"قيلش اللي
كيخلع"في جامعة ابن زهر، حيث أسس الماستر، ولكن على طريقته الخاصة.
تجاوز عدد المقبولين فيه كل الضوابط، وبدأت الشبهات تخرج من الدفاتر إلى الشارع.
لكن بدل أن يُفتح تحقيق، حُوكم كل من تجرأ على الحديث على فيسبوك، كما هو حال أحد
الطلبة الذي أُجبر على دفع تعويض خيالي: 132 مليون.
الفصل الثالث:
"قيلش" لم يكن مجرد أستاذ.
كان رجل أعمال و سمسار، وسياسي مُدلّل في ثوب أكاديمي. أسس مركزاً للوساطة
القانونية في الدار البيضاء، دخل به عالم النزاعات الرياضية، والسمسرة القانونية،
والتي يقال أنها كانت لتبييض الأموال.
ما جعل أسئلة من قبيل : من يقف خلفه؟
من يُغطي عليه؟ تطفو على السطوح حين عُرف
أن رئيس الجامعة الذي وافق على انتقاله كان قيادياً في حزب يساري، وأن الكاتبة
العامة -البيجيدية-السابقة لوزارة التعليم كانت تُشيد بأنشطته علناً. وأن المركز
الذي أسسه أصبح وِجهة لمن يُريد "الحل خارج القانون".
الفصل الأخير وليس الأخير:
لم تتحرك النيابة العامة، ولا تحرك
المجلس الأعلى للحسابات، رغم التقارير، والمظاهرات الطلابية، وحتى تدوينات
النقابيين. ظل كل شيء ساكناً، إلى أن اعتُقل موثق في مراكش، فبدأت كرة الثلج لخيوط
الشبكة التدحرج من مراكش .
وهنا ظهرت رائحة أموال لا يفسرها راتب
جامعي، ولا دخل من مقهى، ولا حتى من بيع ماستر. بدأ يُطرح سؤال أخطر: هل نحن أمام
ملف فساد أكاديمي؟ أم أمام شبكة غسل أموال مقنّعة؟ وكم عدد المتورطين؟ وماذا عن
لجان المناقشة التي مرّت منها "شهادات قيلش"؟ أم أن تلك المناقشات كانت
مجرد حبر على ورق؟
______________________________________
خاتمة: حين تتحول الجامعة إلى مسرح
للجريمة
"الرحلة القليشية" ليست قصة
فرد. إنها قصة منظومة مثقوبة، تُنتج الشهادات كما تُنتج مصانع الرشوة قرارات
التوظيف. إنها حكاية جيل بأكمله بدأ يشك في أستاذه، وفي جامعته، وفي شهادته التي
كانت قبل سنوات، رمزًا للجدارة، وأصبحت اليوم موضوع نكتة ملخصها: واش قاري الماستر
ولا شاريه؟
ولعل الكل ينتظر الفيلم "الأكشن
القيلشي" الذي لم يبدأ بعد ...