بقلم الأستاذ حميد طولست
أثار تصريح وزير العدل المغربي، السيد
عبد اللطيف وهبي، بشأن قدرته على "سجن أي رئيس جماعة خلال أسبوع"، جدلاً
واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية، بالنظر لما يحمله من دلالات تمس بمبدأ
استقلال القضاء وفصل السلط، وتختزل العدالة في سلطة تقديرية شخصية.
في بلد يُفترض أنه يحتكم إلى القانون
والمؤسسات، لا يمكن لمثل هذا التصريح أن يُفهم إلا بوصفه مؤشرًا خطيرًا على خلل في
تصور بعض المسؤولين للعدالة، حيث تتحول من منظومة مؤسساتية مستقلة إلى أداة لتصفية
الحسابات أو الضغط السياسي. والأسوأ أن يأتي هذا التصريح من وزير العدل، المفترض
أن يكون أول من يُجسد احترام المساطر القانونية، لا من يلمح إلى القدرة على
تجاوزها.
ما يزيد من خطورة هذا التصريح أن السيد
الوزير أرفقه بإشارة إلى معرفته التامة بأن "جميع رؤساء الجماعات
مفسدون"، ولكنه لا يتحرك إلا عندما يُعطى "الاسم". وهو ما يطرح
سؤالًا عريضًا حول مدى احترام مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحول حدود مسؤولية
الوزير الأخلاقية والسياسية في مواجهة شبهات الفساد التي تعج بها تقارير رسمية من
مؤسسات رقابية.
إن الصمت عن الفساد، في هذا السياق، لا
يمكن اعتباره حيادًا، بل هو مشاركة ضمنية، وفقًا لما يُقر به القانون ذاته. وإن
كان الوزير يمتلك أدلة أو معطيات حول تورط مسؤولين في قضايا فساد، فصمته يضعه في
موقع مساءلة، لا موقع امتياز.
وتبقى المفارقة الأكثر إثارة، أن السيد
وهبي نفسه يعمل على إعداد مشروع قانون يجرّم "الوشاية الكاذبة"، وهو ما
قد يُفهم في سياق أوسع كمحاولة لتقييد الإبلاغ عن الفساد، بدلًا من تشجيعه في إطار
الشفافية وحماية المبلغين. فكيف يستقيم هذا التوجه مع تصريحات تعترف ضمنيًا بوجود
فاسدين دون اتخاذ خطوات فعلية لمحاربتهم؟
واقع الحال يؤكد وجود عدد كبير من
رؤساء الجماعات والمنتخبين المحليين المتابعين في ملفات فساد، دون أن يُترجم ذلك
إلى قرارات سياسية أو قضائية حازمة. ما يعزز الانطباع بوجود انتقائية في تفعيل
القانون، خاصة عندما يتعلق الأمر بحسابات انتخابية أو توازنات حزبية داخل الأغلبية
الحكومية.
ولاشك أن تصريحات من هذا النوع تمس
جوهر الثقة في المؤسسات، وتُضعف صورة العدالة في أعين المواطنين. وتطرح ضرورة
مراجعة الخطاب السياسي، وإعادة الاعتبار للمؤسسات القضائية باعتبارها المرجع
الوحيد للحسم في النزاهة والمحاسبة، بعيدًا عن النزعة الشخصية أو الاستعراض السياسي.
فإذا كانت فعلاً هناك إرادة سياسية
لمحاربة الفساد، فالأجدر أن تُفعل القوانين القائمة، ويُحترم القضاء، لا أن
يُستخدم التهديد بالسجن كأداة في السجال السياسي.