بقلم الأستاذ حميد طولست
ففي خضم الجدل المتصاعد حول اختلالات
"الماسترات" الجامعية، وتحديدًا ما بات يُعرف بـ"الماستر تحت
الطلب" بجامعة ابن زهر بأكادير، اختار السيد الوزير أن يبرئ نفسه من أي شبهة
قد تطاله، بتصريح لافت قال فيه: "أنا ماشي من هاد الجامعة... الماستر ديالي
خديتو من الجامعة الدولية!"
قد يبدو هذا التصريح، للوهلة الأولى،
توضيحًا عاديا من مسؤول حريص على سمعته الأكاديمية، لكن عند التمعن فيه، يطرح أكثر
مما يجيب. إذ إن الإشكال لا يتعلق فقط باسم المؤسسة المانحة للشهادة، بل بطبيعة
التخصص وتناسقه مع المسار الأكاديمي للمعني بالأمر. فالسيد الوزير، حسب المعطيات
المتداولة، حاصل على إجازة في الفلسفة، تخصص نظري صرف، لكنه استطاع التسجيل في
ماستر يحمل عنوانًا تقنيًا وإداريًا دقيقًا: "الحكامة الترابية والتنمية
الجهوية".
السؤال الجوهري هنا: هل تسمح المعايير
البيداغوجية المعمول بها في الجامعات المغربية بقبول حامل إجازة في الفلسفة في
ماستر لا يمت بصلة مباشرة لتكوينه الأكاديمي؟
وإذا كانت الإجابة بالنفي، كما توحي
بذلك المذكرات التنظيمية الصادرة عن وزارة التعليم العالي، فإننا أمام حالة
استثناء تحتاج إلى توضيح، لا إلى نفي مبهم.
من جهة أخرى، يثير تصريح الوزير
إشكالية فهم العلاقة بين التعليم الخاص والعام في المغرب. فإذا كانت "الجامعة
الدولية" التي درس فيها تخضع، كما هو مفترض، لإشراف الدولة المغربية
وقوانينها، فإن المسطرة ذاتها يجب أن تُطبق على جميع الطلبة، بغض النظر عن
المؤسسة. أي أن الاعتراف القانوني بالشهادة يقتضي أن تكون شروط الولوج متوافقة مع
المسار الأكاديمي، لا مبنية على صيغ فضفاضة أو استثناءات غامضة.
الأمر لا يتوقف عند حدود التكوين فقط،
بل يتعداه إلى سؤال أعمق: هل ما زال ولوج التكوينات العليا في المغرب يتم على أساس
الاستحقاق والكفاءة؟ أم أن الأمر صار، في بعض الحالات، رهينًا بشبكات النفوذ
والانتماء السياسي؟
وما يزيد من حساسية القضية أن المعني
بها ليس طالبًا عاديًا، بل عضو في الحكومة، يُفترض فيه أن يكون نموذجًا لاحترام
القانون، لا مستفيدًا محتملًا من ثغراته.
لقد كان بإمكان السيد الوزير أن يحوّل
هذا النقاش إلى فرصة لتوضيح المسار، وتقديم وثائق تثبت استيفاءه لشروط التسجيل كما
تنص عليها الضوابط الأكاديمية. أما الاكتفاء بالتنصل من جامعة بعينها والاحتماء
بمؤسسة خاصة، فهو لا يعفي من واجب الشفافية، بل قد يفتح بابًا لمزيد من الشكوك.
التي حاول السيد الوزير أن يهرب منها إلى الأمام، لكنّه لم ينتبه أن الباب كان من
زجاج شفاف. سقط، ورأيناه. بل سقط مرتين: مرة حين تفلسف دفاعًا عن نفسه، ومرة حين
فضح – دون قصد – أن الطريق إلى الماستر لا تمر بالضرورة عبر الاستحقاق، بل أحيانًا
تمرّ من صالونات النفوذ، ومصاعد الولاء الحزبي.
وفي نهاية المطاف، ما ننتظره من
المسؤول العمومي ليس فقط التصريح، بل التفسير. وليس فقط الدفاع، بل القدوة. فالثقة
لا تُبنى بالعبارات المطمئنة، بل بالوقائع الموثقة. ومصداقية الخطاب العمومي لن
تُستعاد، ما دام الواقع يفضح هشاشته أمام أول امتحان بسيط في المنطق الأكاديمي.
ويا حسرة على الفلسفة... حين تتحوّل من
بحث عن الحقيقة إلى تصريح يُبرر عبث الواقع!