adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/05/27 - 6:44 م

متابعة حميد طولست

في ريف سيدي قاسم، وتحديدًا بأحد دواويره المنسية، كتبت خديجة – امرأة مطلقة، فقيرة، وأم تناضل لأجل أبنائها – شهادة جديدة على أن "لا" قد تكلّفك الكثير، إن لم تكن من أصحاب النفوذ.

خديجة لم تكن سوى امرأة بسيطة. لكنها في لحظة قاسية، وجدت نفسها في مواجهة أحد "السكارى من علية القوم" الذي تحرّش بها بوقاحة. قاومته بشجاعة، دافعت عن كرامتها بكل ما أوتيت من عزيمة. فكان الرد وحشيًا: كسر زجاجة خمر، وغرسها في وجهها.

88 غرزة.

35 يومًا من العجز.

تشوه دائم.

ورعب أبدي.

لكن ما هو أقسى من الجريمة، هو ما حدث بعدها.

في محكمة مشرع بلقصيري، وقف الجاني أمام القاضي. لم يُنكر فعله، فالدلائل أوضح من أن تُرد. ومع ذلك، صدر الحكم: شهران فقط من الحبس النافذ، و3000درهم غرامة.

هل هذا كل ما تساويه حياة امرأة بسيطة في ميزان القضاء؟ شهران مقابل العمر كله؟ هل هذه هي العدالة التي وعد بها الدستور، ويزعمها القانون؟

حين يكون الكرسي أهم من الجسد

الواقعة، على فداحتها، تطرح سؤالًا أكثر خطورة: ماذا لو كانت خديجة قائدةً أو موظفة سامية؟ لدينا الجواب في ملف مماثل، وُثّق في نفس السنة، أُدينت إمرأة اعتدت على "قائد" بـ سنتين من السجن، بتهمة "الإهانة والاعتداء". لم تكن هناك زجاجة خمر، ولا 88 غرزة، بل مجرد دفع وسباب. ومع ذلك، تحركت الأجهزة الأمنية، وعملت النيابة بسرعة، وأصدرت المحكمة حكمًا رادعًا… لأن "الضحية" يرمز إلى الدولة، -وكلنا مع الحفاظ على تلم الرمزية-.

أما خديجة، فلا ترمز إلى شيء سوى واقع نساء هذا الوطن حين يُواجهن العنف وحدهن.

أين القانون؟ أين الفصل 507؟

وفقًا للفصل 507 من القانون الجنائي المغربي:

"يعاقب من ارتكب عنفًا أو ضربًا أو جرحًا ضد الغير بالحبس من شهر إلى سنة، وإذا تجاوزت مدة العجز 20 يومًا، رفعت العقوبة من سنة إلى ثلاث سنوات. وتُشدد العقوبة إذا ارتُكب الفعل بسلاح، أو كان الضحية امرأة، أو في وضعية هشّة."

في حالة خديجة:

•      الضحية امرأة.

•      الهجوم تم بزجاجة مكسورة (سلاح).

•      مدة العجز 35 يومًا.

كل عناصر التشديد متوفرة، ومع ذلك، حُكم على الجاني بشهرين فقط.

شهادات حقوقية: عدالة بوجهين

تقول المحامية والناشطة الحقوقية سناء برادة:

"ما وقع لخديجة لا يُعدّ فقط اعتداء جسديًا، بل اغتيالًا لثقة النساء في القضاء. عندما لا يُطبّق القانون رغم وضوحه، تصبح المحاكم جزءًا من الإيذاء وليس من الحل."

أما الأستاذة ليلى الكوهن، من جمعية "إنصاف"، فتعتبر أن:

"التمييز الطبقي في العدالة صار بنيويًا، ولا يمكن الحديث عن قضاء مستقل إذا ظل الضحية يُحاسب على موقعه الاجتماعي لا على قضيته."

ليس ملفًا منعزلًا… بل بنية مختلة

حادثة خديجة، كما تقول الحقوقيات، ليست حالة استثنائية. هي نموذج لعدالة انتقائية، لا تستفيق إلا حين تُحرّكها وسائل الإعلام، أو يتدخل الرأي العام. والأدهى، أنها عدالة تنظر في ملفات الفقراء بعين مختلفة عن تلك التي تفتحها للنخبة.

خديجة ليست وحدها… لكن قد تظل وحيدة

صرخت خديجة بـ"لا"، فدفعت ثمنها دمًا وتشويهًا وسكوتًا قانونيًا مخجلًا. وهي اليوم، وإن حظيت بتضامن مجتمعي واسع، لا تزال تنتظر حكمًا يرد لها جزءًا من كرامتها المهدورة.

لكننا – كمجتمع – يجب أن نصرخ معها: لا لصمتٍ يجعل كل خديجة مشروع وجه مشوّه قادم.