adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/05/22 - 2:26 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

في لحظة فارقة من تاريخ التشريع المغربي، صوت عدد كبير من نواب الأمة على تعديل خطير في المسطرة الجنائية، يمنح فعليًا "درعًا واقيًا" لمرشحي الأحزاب والمسؤولين المنتخبين ضد شكايات تتعلق بالفساد وتبديد المال العام، وذلك عبر تقييد حق الجمعيات المختصة في تقديم هذه الشكايات.

وبينما يفترض أن يكون البرلمان مؤسسة لحماية الصالح العام ومحاربة العبث بالمال العمومي، يبدو أن أغلبية البرلمانيين فضلت الانتصار لمنطق "التحصين السياسي"، تحت ذريعة منع "التشهير" و"الاستهداف الانتخابي". غير أن كثيرًا من المتابعين يرون أن هذه الذريعة ليست سوى قناع جديد لمنع انكشاف ممارسات مريبة تورط بعض المنتخبين، خصوصًا في لحظات ما قبل الاستحقاقات.

وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، لم يتردد في الكشف عن النوايا الحقيقية خلف هذا التعديل، حين صرح بصراحة لافتة أن الهدف هو حماية "العملية السياسية" و"المرشحين" من شكايات قد تعيقهم عن الترشح أو تُستخدم لتغيير الخريطة السياسية، في إشارة ضمنية إلى مخاوف حزبه وأحزاب أخرى من الجمعيات الحقوقية التي راكمت ملفات ثقيلة في مواجهة رؤساء جماعات وبرلمانيين ووزراء سابقين.

الوزير ذهب بعيدًا إلى حد اتهام هذه الجمعيات بأنها "تكتب شكاياتها في المقاهي" بهدف تصفية حسابات، وكأن ملفات الفساد المتراكمة لم تكن نتاج تقارير رسمية صادرة عن مؤسسات دستورية، أو أحكام قضائية أدانت بالفعل أسماء بارزة.

الرسالة التي تمررها الحكومة اليوم، بدعم من نوابها وحلفائها، واضحة وصادمة: من يحاول مراقبة المال العام، عليه أن يسكت أو يتهم بالتشويش. ومن أراد محاربة الفساد، فليصمت احترامًا "للتزكيات الحزبية" و"التوازنات السياسية".

بموجب هذا القانون، يصبح الفاسد أكثر أمانًا من المواطن العادي، وتتحول الجمعيات من شركاء في الرقابة إلى كيانات مشكوك فيها، فقط لأنها أزعجت سادة المرحلة بأسماء وملفات ومعطيات دقيقة.

لكن الأخطر من كل ذلك، أن هذا التصويت البرلماني، الذي لن ينساه الشعب المغربي، يهدد بتقويض ما تبقى من ثقة المواطن في المؤسسات. فحين يشرّع البرلمان لحماية الفساد بدلاً من محاربته، وحين تتحول القوانين إلى مظلات حزبية، فإن الوطن يدفع الثمن مضاعفًا: في التنمية، في العدالة، وفي المستقبل.

إنه يوم حزين لدولة المؤسسات، ويوم أسود في ذاكرة من لا يزال يؤمن بأن القانون يجب أن يُكتب من أجل المواطن، لا من أجل "المرشح".