بقلم الاستاذ حميد طولست
منذ أيام، أصدرت الأمانة العامة لحزب
العدالة والتنمية بلاغًا أعربت فيه عن "قلقها الشديد" إزاء ما وصفته
بـ"التدهور غير المسبوق" في قطاع الصحافة والإعلام، -والذي فعلا هو
كذلك- محمّلة الحكومة الحالية مسؤولية هذا الانحدار. كما عبّرت عن رفضها القاطع
لمتابعة الصحفيين بموجب القانون الجنائي، معتبرة أن قانون الصحافة والنشر هو وحده
المختص في مثل هذه القضايا.
كلام جميل. لكن، كم من قول جميل غطّى
قبح فعلٍ ماضٍ؟!
أليس هذا الحزب هو نفسه من كانت حكومته
الأولى (2011-2016) قد شرعت أبواب التضييق على الصحفيين، إما بالصمت أو بالتحريض
غير المباشر؟ ألم تكن حكومته الثانية (2016-2021) هي التي استُعمل فيها القانون
الجنائي في قضايا صحفيين معروفين؟ بل، أليس من المفارقات المخجلة أن كبير الحزب،
وهو في المعارضة، أهان صحفية علنًا في قبة البرلمان،وعلى المباشر، فقط لأنها لم ترضخ لأسلوبه الفجّ في نوع
اللباس؟!
كم هو مدهش أن يتحدث من مارس القمع عن
الحرية، ومن أهان الكلمة عن قدسيتها، ومن شرعن الصمت عن التجاوزات عن مسؤولية
"الإنصات للسلطة الرابعة". أي انفصام أخلاقي هذا؟ وأي نفاق سياسي ذاك
الذي يجعل من البلاغات مطايا للركوب على المواقف بعد أن كانت تُركب عليهم؟
هذه ليست مسألة انتقام سياسي، بل لحظة
لتأمل الفرق الجوهري بين ثلاثة أفعال:
• من
قال وفعل، فذاك قدّم رمزًا وأثرًا.
• من
فعل دون أن يقول، فذاك نبل لا يحتاج إلى ضجيج.
• ومن
قال ولم يفعل، فذاك نموذج الرداءة المستشرية في خطاب "الفرسان الرقميين".
أولئك الذين يصيحون اليوم عبر منابر
الفيسبوك، ويتوهمون الثورة في ريلز الإنستغرام، ويخوضون "غزوات" على
المباشر، ليسوا سوى وجوه أخرى لصناعة الوهم؛ يختبئون خلف فلاتر "البودكاست
السياسي" و"الكلاشين الثوري"، لكنهم حين يُختبرون في الفعل، يذوبون
كفقاعات.
كيف نُصدّق حماستكم لقضية فلسطين –
مثلًا – وأنتم لم تحرّكوا ساكنًا حين كنتم في موقع القرار؟ كم منكم اكتفى برفع
الشعارات، في الوقت الذي نجد فيه إحدى الناشطات السويديات "غريتا
تونبيري" لا ترفع خطابًا، بل تُمثل فعلًا صامتًا، مليئًا بالمعنى، بإبحارها
نحو غزة، تُشاركها فيه نساء من كل أطياف الفكر والمجتمع، من نسويات وليبراليات
وعلمانيات و"كفار ونصارى"... أليس في المشهد مفارقة جارحة؟!
أين أنتم من هؤلاء؟
كفاكم وعظًا وخطبًا وتدوينات حماسية،
فالزمن لم يعد يتّسع للقول الخالي من الفعل. وكفى استعارات عسكرية وهمية، فلا
الكلاشينات الرقمية تصنع تغييرًا، ولا غزوات التيك توك تُقيم دولة عدالة.
لقد آن الأوان لنسأل بصراحة:ماذا فعلتم
حين كنتم في موقع المسؤولية؟
وأي مصداقية تبقى لبلاغاتكم بعد أن
خُنتم الفعل؟
الناس لم تعد تحتاج إلى من يُدلّلها
بكلامٍ معسول، بل إلى من يصنع فرقًا حقيقيًا، في الحق والحقيقة، في القيم
والمواقف، في القول والفعل.
أما أنتم، فخسارتكم بدأت يوم فضلتم
الخطابة على الشجاعة، والبلاغات على المواقف، والقول على الفعل.