مع كل موسم امتحانات إشهادية في
المغرب، يعود الجدل نفسه ليطفو على السطح في شبكات التواصل الاجتماعي: هل تساهم
مقاولات التعليم الخصوصي في الميزانية المخصصة لهذه الامتحانات، أم أنها تستنزف
المال العام دون مقابل؟ هذا السؤال يطرحه النشطاء بقوة، مشيرين إلى ما يعتبرونه
"هدرًا للمال العام" يذهب لـ"نفخ جيوب المستثمرين" في التعليم
الخصوصي، وذلك من خلال تكاليف الحراسة، وأوراق الامتحانات، وتوفير القاعات،
وعمليات التصحيح، وغيرها.
التساؤلات المشروعة حول التمويل
يكمن جوهر المشكلة في أن الامتحانات
الإشهادية (مثل البكالوريا) هي امتحانات وطنية، تُجرى تحت إشراف وزارة التربية
الوطنية، وهذا يعني أن الدولة هي التي تتحمل تكاليف تنظيمها بالكامل، بما في ذلك
الموارد البشرية (الأساتذة الحراس والمصححون)، والمادية (القاعات، الأوراق،
اللوجستيك)، وعندما تُجرى هذه الامتحانات في مؤسسات التعليم الخصوصي، تظل الدولة
هي من يتحمل هذه الأعباء، بينما هذه المؤسسات تستفيد من كونها جزءً من المنظومة
التعليمية الرسمية، دون أن تُظهر مساهمة واضحة في التكاليف المباشرة لتنظيم
الامتحانات داخل أسوارها، هذه النقطة تثير حفيظة الكثيرين، خاصة وأن التعليم
الخصوصي يعتبر قطاعا استثماريا يهدف إلى تحقيق الربح.
فكيف يعقل أن تستفيد مؤسسات خاصة من
خدمات عامة مكلفة، يتم تمويلها من جيوب دافعي الضرائب، دون أي مساهمة فعلية أو
تعويض؟ هذا ما يدفع النشطاء إلى التساؤل عن مدى عدالة هذا الوضع، ويطالبون بإعادة
النظر في آليات تمويل الامتحانات الإشهادية.
المطالبة بمساهمة عادلة
يرى المطالبون بمساهمة التعليم الخصوصي
أن هذا القطاع لا يمكن أن يكتفي بالاستفادة من الأطر التربوية العمومية التي تشرف
على الحراسة والتصحيح، ومن البنيات التحتية التي توفرها الدولة (مثل أوراق
الامتحانات)، دون أن يتحمل جزءً من المسؤولية المالية.
يقترح البعض أن تفرض مساهمة مالية على
هذه المؤسسات تتناسب مع عدد التلاميذ الذين يجتازون الامتحانات لديها، أو أن تساهم
المؤسسات بتوفير بعض الخدمات اللوجستية كجزء من مسؤوليتها المجتمعية.
ومن شأن مثل هذه المساهمة أن تخفف
العبء عن الميزانية العامة للدولة، وتجعل العلاقة بين التعليم العمومي والخصوصي
أكثر توازنا وعدالة، كما أنها قد تدفع هذه المؤسسات إلى الشعور بمسؤولية أكبر تجاه
المنظومة التعليمية ككل، وليس فقط تجاه تحقيق الأرباح.
جدل يستحق النقاش
إن الجدل حول مساهمة التعليم الخصوصي
في تكاليف الامتحانات الإشهادية ليس مجرد مطالب عابرة على شبكات التواصل
الاجتماعي؛ بل هو دعوة إلى نقاش جاد حول آليات تمويل التعليم في المغرب بشكل عام.
ففي ظل التحديات التي تواجه الميزانية
العامة، والتطلعات نحو إصلاح شامل للمنظومة التعليمية، يصبح من الضروري إعادة
تقييم كل الجوانب المالية والإدارية لضمان استخدام أمثل للموارد، وتحقيق العدالة
بين جميع مكونات القطاع التعليمي.
فهل تستجيب الجهات المعنية لهذه
المطالب المشروعة؟، وهل سنرى تغييرا في طريقة تعامل التعليم الخصوصي مع تكاليف
الامتحانات الإشهادية في المواسم المقبلة؟، إنها أسئلة تستحق البحث عن إجابات
عملية لضمان مستقبل تعليمي أفضل للجميع.