adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/06/14 - 6:33 م

متابعة حميد طولست

في زمن تزداد فيه حالات العنف ضد النساء ويغيب فيه أحيانًا صدى العدالة في ردهات المحاكم، برزت الصحافة الجادة كصوت يقظٍ، لا ينام على المظالم. قضية خديجة، المعروفة إعلاميًا بـ"مولات 88 غرزة"، مثال صارخ على كيف يمكن للصحافة الحرة أن تُحدث فرقًا، وأن تضع العدالة في مواجهة ضمير المجتمع.

حين صدر الحكم الابتدائي على المعتدي، القاضي بسجنه شهرين فقط، ساد شعور عارم بالغضب والاستنكار. كيف يعقل أن يُكافأ التعذيب والتشويه المقصود، الموثّق في الصور والتقارير الطبية، بحكم لا يليق حتى بمخالفة مرور؟ لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن هذه الصدمة ستتحوّل إلى حافز لتحرك مدني وإعلامي لافت، قادته منابر صحفية جادة ومواطنون غاضبون، أعادوا القضية إلى الواجهة، ورفضوا دفنها في أدراج الصمت.

إن ما قامت به الصحافة المستقلة، من نقل دقيق لشهادات خديجة وأسرتها، وتحليل قانوني موضوعي للحكم، وإثارة الرأي العام عبر مقالات وتقارير وتدوينات، شكّل ضغطًا مشروعًا على المؤسسات العدلية لإعادة النظر في الحكم. وقد استجابت العدالة في طور الاستئناف، لتصدر محكمة القنيطرة حُكمًا جديدًا أكثر إنصافًا: سنتان ونصف من السجن النافذ، وتعويض مدني بقيمة 20 مليون سنتيم لفائدة الضحية.

ليست القضية الأولى التي يتدخّل فيها الإعلام الجادّ ليكشف الخلل، لكن رمزيتها بالغة الأهمية. فهي تُظهر كيف يمكن للصوت الصحفي أن ينتصر للحق، بعيدًا عن التهويل أو الشعبوية، وكيف يصبح الإعلام سلطة حقيقية حين يمارس وظيفته النبيلة: كشف الحقيقة، وحماية الضحية، واستنهاض الضمير الجمعي.

لكن لنتأمل أيضًا الجانب الآخر من المعادلة: ماذا لو لم تُغطّ القضية؟

ماذا لو اكتفت الصحافة ببلاغ المحكمة؟

الجواب مؤلم، لأنه يعكس واقعًا يتكرّر: ضحايا يُدفنون في الصمت، وعدالة ترتبك في غياب الرقابة الشعبية.

قضية خديجة ليست فقط درسًا في الإدانة أو في تصحيح حكم. إنها درس في أهمية الإعلام العمومي والخاص حين يتحرّك في انسجام مع القيم الحقوقية والإنسانية، لا مع الحسابات السياسية أو الضغط الإعلاني. فالمجتمع لا يُقاس فقط بعدد قوانينه، بل بمدى يقظته تجاه الظلم، وصوت الصحافة الصادقة هو جهاز الإنذار الأول.

ولعل هذه القضيّة تدفعنا لطرح سؤال جوهري:

كم من "خديجة" ما تزال تنتظر صوتًا يخرجها من الظل؟