adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/05/12 - 7:09 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

ليس بالشتائم وحدها تُهدر كرامة الشعوب. أحيانًا، يكون الصمت جريمة، والتواطؤ طعنة، والتنصل من مسؤولية المساءلة ضربًا من ضروب الخيانة الرمزية التي لا تقل وقعًا عن أقبح الشتائم. هذا ما تكشف عنه مجددًا مواقف حزب الاستقلال الأخيرة، حين اختار، في لحظة مفصلية، الانسحاب من معركة تقصي الحقائق حول دعم استيراد المواشي، تاركًا المواطن المغربي فريسة للغموض والريبة، وكأنه لا يستحق معرفة من يعبث بقوت يومه، ومن يقتات من أمواله باسم الدعم، بعد أن كان الحزب سباقًا إلى انتقاد المستوردين، بل وتقديم نفسه كصوت معارض لاستغلال المال العام في ملف كان يفترض أن يستجيب لحالة الطوارئ الاجتماعية والمعيشية. غير أن هذا الصوت ما لبث أن خفت، لا بل انقلب، بمجرد ما اقتربت النيران من الدوائر السياسية التي تتقاطع مصالحها مع لوبيات الاستيراد. تراجع الحزب عن المطالبة بتقصي الحقائق ليس موقفًا عابرًا، بل لحظة كاشفة عن هشاشة المبدأ أمام حسابات السياسة الضيقة.

وإذا كانت الشتائم المباشرة التي أُطلقت سابقًا على لسان مسؤولين كبار – من قبيل وصف المواطنين بالميكروبات والحمير أو دعوتهم لهجر وطنهم – قد أثارت الغضب المشروع، فإن التخلي عن المحاسبة، والصمت المريب، هما شتيمة من نوع آخر، أشد خطرًا لأنها تتستر في عباءة الاحترام والرصانة. إن ما نشتمه من موقف حزب الاستقلال في هذا السياق، هو "شتيمة مؤسساتية" تتوسل بلاغة الإنكار بدل ألفاظ الانحدار، لكنها تفضح تواطؤًا سياسيًا يضمر ما لا يقال: أن لا أحد فوق السوق، حتى لو جاع الشعب.

ما الذي تغيّر إذن؟ أهي الغايات التي في نفس "اليعاقبة" الجدد؟ أولئك الذين جعلوا من السياسة حرفة لتدبير مصالحهم، لا خدمة العموم؟ أهو منطق التحالفات الظرفية، حيث يُبتلع اللسان تحت مائدة السلطة؟ أهي الحسابات الانتخابية التي تزن كل كلمة بمكيال الربح والخسارة؟

في كل الأحوال، التراجع عن مساءلة من استفاد من المال العام، في ملف حيوي كاستيراد اللحوم وسط أزمة معيشية خانقة، هو خيانة صامتة لثقة من منحوا أصواتهم للحزب. وهو نفي عملي لمفهوم "الوطنية" التي يتغنون بها في خطبهم. فالوطنية لا تعني التلويح بالراية، بل حماية جيوب المواطنين من النهب المقنن.

لقد سقط الكثير ممن صمتوا على هذه القضية ، ليس في اختبار الجرأة، بل في امتحان الضمير. وقد يكون أثر هذا السقوط أعمق من وقع أي شتيمة مباشرة: لأنهم عبّروا بصمتهم عن استصغار متكتم للشعب، وازدراء ناعم مغلّف بالحكمة المزعومة.