بقلم الأستاذ
حميد طولست
لم يكن
المغاربة بحاجة إلى دليل إضافي على حالة الانحدار التي آل إليها الخطاب السياسي في
البلاد، لكن الوقائع تتكفل دومًا بكشف المستور. ففي خرجة بائسة ومشبوهة، تجرّأ أحد
رموز ما يُعرف بالتيار "الخونجي" على التطاول على كرامة المغاربة، في
استعراض سافر للعجرفة والتعالي، لا يليق بشخص يُفترض أنه تدرّب في مدرسة السياسة،
ولا حتى بفاعل جمعوي مغمور.
ولم تمضِ أيام
حتى خرجت علينا نائبة رئيس بلدية أكادير بتصريح لا يقل دناءة، تأمر فيه سكان
المدينة – بكل وقاحة – بمغادرتها إن لم يسيروا على نهج حزبها و"ولي
نعمتها"، وكأن المدينة مزرعة خاصة أو ضيعة انتخابية. إنها ليست فقط سقطة أخلاقية،
بل اعتداء رمزي على مفهوم المواطنة ذاته، الذي لا يتيح لأي كان أن ينصّب نفسه
بوّابًا على بوابة المدن المغربية.
المؤلم في هذه
الخرجات التي هي نذالة من على كراسي المسؤولية هو أنها صادرة عن من يُفترض فيهم
التحلي بالحد الأدنى من الاحترام واللباقة السياسية، لا أن يتحولوا إلى أبواق وقحة
تتقن الشتم والابتزاز المعنوي. لقد أصبح بعض المسؤولين، بكل صفاقة، يعتقدون أن
مواقعهم تخوّل لهم التنمر على المواطن، واحتقار المختلف، بل والتجرؤ على الدعوة
إلى الطرد والتهجير المعنوي، كما لو أننا في عهد الحاكم بأمر الله.
ما يجري ليس
حدثًا معزولًا، بل جزء من مناخ التسيب العام الذي يسبق الانتخابات ويتسم بالفوضى
الخطابية، والانفلات السياسي، والتجرؤ على كرامة الناس. والذي تدأ معه الوجوه
تتلون، والكمامات تسقط، والتي بدأنا نرى كيف يتعامل البعض مع العمل السياسي كمنصة
للشتم، لا لخدمة الصالح العام. التسيّب لم يعد في الشارع فقط، بل في البرلمان، وفي
المجالس الجماعية، وفي التصريحات الرسمية.
والرد على هذه
الممارسات لا يكون بالصمت أو التواطؤ، بل بالوضوح: المغرب ليس ملكًا لأحد، لا لحزب
ولا لطائفة ولا لتنظيم. هو وطن لكل أبنائه: أمازيغ، عرب، يهود، صحراويون،
أندلسيون، أفارقة... لا فضل لحزب أو تيار على المغاربة، بل المغاربة وحدهم أصحاب
الكلمة العليا. من لم يستوعب هذا الدرس، فليغادر السياسة، أو على الأقل فليصمت.
لأنه من غير
المقبول أن تمر مثل هذه التصرفات دون مساءلة. لا يكفي الاعتذار الغامض أو التبرير
الركيك. المطلوب هو أن نضع حدًا لهذا الانفلات، ونرفع سقف محاسبة من يعتلي المنابر
ويحتقر من أوصلوه إليها. كفى نفاقًا، كفى تواطؤًا، كفى تسيبًا.
فالمغاربة شعب
عريق، لا يستحق من يتعالى عليهم، ولا يقبل أن يُهان من أفواه أولئك الذين يجب أن
يكونوا خدمًا للصالح العام، لا أسيادًا متغطرسين.
فلا تسامح مع الاحتقار السياسي