adsense

2017/09/11 - 12:34 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست


تحت ضغط الحرارة التي ارتفعت درجاتها في هذا شهر "غشت" إلى مستويات قياسية غير مألوفة ، قررت الهروب إلى البحر للاحتماء لبعض اللحظات بنسائمه الرطبة العليلة ، والسباحة في مياهه المنعشة ، عليّ استرجع بعضا من الطاقة المهدورة ، والحيوية المغدورة ..
حملت بعضي واتجهت إلى أقرب شاطئ ، لأمتع العين برؤية البحر الذي طالما غمرت مناظره الجميلة قلبي بمشاعر الراحة النفسية ، وطبعت إشراقة أضوائه وبهجة ألوانه جوارحي بالسعادة المترامية ،  وهمس له أحاسيسي بما في الخاطر من جنون العشق ورهافة العاطفة ، لطلق هوائه ، ولطيف أجوائه ، وروعة أصوات أمواجه ، وتهامس قوارب الصيد المتراقصة عند الغروب في آفاقه.
وقفت على أحد شواطئ البحور التي حبا الله بلادنا الجميلة بها على طول ساحليها ، -التي لم تستثمر سياحيًّا حق الاستثمار، ولم يحافظ عليها،  وأهدرت أسوأ إهدار-  التي عهدتها مائجا بالجمال ، نابضا بالحيوية والخيال ‏، تذيب قلوب عشاقها، وتبث الحياة في نفوس محبيها ، وتشعر قلوب روادها بالهدوء والسكينة والإنسجام ، وفتح أمامهم مساحات البهجة والفرح والطرب ..
نظرت حولي متجمدا ، فرأيته شاطئ بحر قد تحولت كل جمالياته إلى ذكرى ماضٍ طوى صفحاتها الزمان ، وشاطئ تحول إلى شىء ماسخ بطعم الموت ، لا رائحة ولا مذاق ، ليس بسبب ما اعتدنا الاصطدام به من مظاهر القبح والتخلف على شواطنا، من أكوام القمامة التى أصبحت تغطى شواطئنا، بكل أشكالها المقززة وروائحها الكريهة الفظيعة ، وكأنها تصطاف مع المصطافين ، وليس بسبب ظاهرة استيلاء كل منْ هبّ ودبّ على الشواطئ ، التي استفحلت ، وفرض جباية رسوم على دخولها وكأنها ليست ملك للشعب..
لا ليس بسبب هاذا ولا ذاك ، ولكنه بسبب ذالك القبح والتخلف الأشد قتامة من النفايات التي يراكمها المصطافون على  شواطئنا، والأخطر من الإهمال والتسيب الذي عم كل مرافقها وعصف بكل جميل فيها ، إنه بسبب ذاك الدخيل الذي اكتسح جل شواطئ المغرب دون استئذان ، ليعيدها وباسم الدين الى عصور الجهالة والظلام التي نبذها المغاربة منذ زمن ، والذي طمست جمالية الشاطئ والبحر ، وغيب عنهما الرونق والسحر المعتاد ، وغشاهما بغمام داكن  طبع شكليهما بسواد مخيف يسبب التوتر والانقباض ، ولا يبشر بالانقشاع ، ذاك القبح المجاني المثير للاستهجان والمتمثل في ظاهرة ارتفاع نسبة النساء اللاتي ينزلن للبحر بملابسهن الخاصة ، أو بما ابتدعه فقهاء الفتنة من زي مخاصم للرشاقة والأناقة والنظافة ، وأسموه بــ"المايو الشرعي" ،وما هو بشرعي ، والذي أصبح يشكل لباس أغلبية المصطافات، بينما اقتصر ارتداء "المايو" استثناء على السائحات والفتيات الصغيرات..
حزنت للأمر كثيرا، وتأسفت أكثر على حال شواطئنا التي كانت في وقت ما جميلة ، وأرقتني تساؤلات حائرة من قبيل: لماذا تصر المحجبات على النزول للسباحة بهذا المسخ ، ضدا في الرأي الشرعي الذي لا يجيز سباحة المرأة أمام الرجال ، سواء بـ "المايو" العادي أو الإسلامي الذي لا يلبي شروط الزي الشرعي لسبب بسيط ، هو أنه بمجرد ابتلاله بالماء يلتصق بالجسم فيصف تقاطيع جسم المرأة ، ما يفقده  أحد شروطه الأساسية التي هي "ألا يصف" ولا يظهر حجم الجسم ، والذي يقول دعاة "البوركيني" والمدافعين عنه ، أنه فريضة فرضها الإسلام ، ومندوبة تثاب عليه من ترتديه وتأثم من تتركه، تماما كما هو حال النقاب عند الشيوخ الوعاظ المظفورة لحاهم بالجهل المقيت، والمحشوة "قشاشيبهم" القصيرة بالغل والبغض ، الذين جعلوا منه فرض ديني و تكليف شرعي كالصلاة و الصوم و الشهادتين ، لا مندوحة ولا غنى للنساء عنه لسلامة دينهن، وإكتمال عفتهن، تكفر تاركته و مُنكره، بينما هو في حقيقة الأمر ، ليس فريضة من الله ولا سنة عن رسوله، و أنه مجرد ظاهرة اجتماعية نسبية ذات علاقة بالتعصب الذكورى المهووس بالنساء ، وبظروف المجتمع و اقتصاده و سياسته، وأنه عادة أكثر منه عبادة بُليت بها مجتمعاتنا الإسلامية عن طريق أساطير الأولين، وخرافات الشياطين التي كانت تنزل من السماء لمضاجعة النساء فى الطرقات، فغطت النساء وجوههن وشعرهن، ليضل الشيطان عنهن. وسربته إلى معتقداتنا أعاجيب العهد القديم فى الديانة اليهودية، الذي ورثته نساء المسلمين من سبايا بنو قريظة وبنو قينقاع، ومتشددو اليهود الأرثوذكس او يهود الحريديم
الذين لازالوا إلى اليوم يحرمون الموسيقى و الغناء و مشاهدة التلفاز ، ويعتبرن  المرأة متاع لزوجها من حقه ضربها و تأديبها و يفرضون عليها الحجاب و النقاب ، كما فرضته على تقاليدنا  أزياء الصحراء وطبيعتها الجافة، وشمسها الحارقة ورمالها المتحركة، ورياحها التى تعمي العيون، ونقلته إلى عوالمنا بعض المهاجرات العاملات في الشرق اللواتي اضطررن إلى اتباع موضة التحجب المنتشرة هناك ومجاراتها ومسايرتها ، إنه في الأخير عادة نشرها الخوف الذي ملأ به المتشدد ون في الدين قلوب غالبية المتحجبات اللواتي لا يفقهن في الشريعة والدين شيئًا ، ولا يملكن عن الإيمان علمًا ، وليست لهن القدرة على البحث عن الحقيقة التي تمكنّهن من الرفض أو القبول ، ومع ذلك تجدهن من أشد المدافعات عن ذلك الفقاب والبوركيني ، إذا هن أقحمن في نقاش حوله، وكأنهن به مؤمنات، بينما ظاهرهن لا يشبه باطنهن ، ولسانهن المدافع عنه ، عكس حال باطنهن الذي يتمنى أن يستمتعن بجمال أجسادهن كغير المحتجبات ، ولذاك يسعين إلى التوفيق بين رغباتهن في التمتع بمباهج الحياة ، وتنازلهن عن تلك المباهج  وطمعا فى الآخرة ، باللجوء إلى التمتع بالسباحة بــ"المايو الإسلامي" باعتباره أقل خسارة دينية من المايوه الآخر،..
فلماذا لا تتنازل المتحجبات عن مباهج حافظا على الجانب الديني ، وتعتزل السباحة المرفوضة شرعاً أمام الرجال في المجتمعات العربية والإسلامية المتدينة ؟ وذلك أقرب لهن إلى التقوى ، ماذامن طامعات فى جزاء الآخرة ، بدلا من التلاعب والتحايل على الشرع بارتدائهن لباس البحر الإسلامى الأقرب إلى الزى الدواعش.
ربما يقول قائل أن ارتداء "البوركيني" أو "المايوه الإسلامي" هو حرية شخصية ، وأن منعه انتهاك لتلك الحرية و نوع من التمييز العنصري ضد المحجبات، وأقول أن الحجاب والنقاب ظاهرة سلبية يثير الاستهجان ، وجزء من التعصب والإرهاب ، يعيدنا - وباسم الدين -الى عصور الظلام البالية التي نبذتها الإنسانية منذ زمن طويل ،كما فعل أحد الأئمة المسمى ب"الساتي" الدي قدم إلى بلدة ماريا البا مارتينيز ، التي غير الأمور فيها ، وحول الكثير من العائلات بها أكثر تزمتاً ، وتحجبت الفتيات فيها وأطلق الشباب لحاهم ، وكانوا وراء الانفجارات الإرهابية التي هزت برشلونة مؤخرا ، كما أثبتت ذلك العديد من التقارير الإعلامية ، لهذ وغيره كثير لا يصح أن تقف الدولة عاجزة عن منع هذا الزي المقرف ، ويجب عليها اتخاذ الاجراءات الصارمة ضده دون حرج أو خجل لعواقبه الوخيمة والمخيبة والمخزية..