adsense

2017/04/27 - 12:45 ص





بقلم الأستاذ حميد طولست


جمعتني الصدفة بأحد الأصدقاء القدامى بأحد المقاهي الراقية المؤثثة لرصيف النيل وهو يعبر مدينة القاهرة الليل بامتياز ، بوقار إلى مصبه بالبحر ، والأضواء تتراقص على صفحته وينتشي نسيم الليل المعربد ينشينا بأريحية وكرمه الحاتمي بنسمات سكرى ، كان اللقاء مناسبة مشحونة بلهفة كل منا لمعرفة أخبار الآخر ، وخلال زخم الحديث المزدحم بشوق محدثي لذكريات وروائح الوطن وعطر التاريخ وأخبار الأهل والمعارف ، وفي جو يعبق بنسائم إيقاع الموسيقى ونغمة اللحن وجمال اللوحة المكان ، عرجت بنا زحمة الحديث إلى محطة بعيدة عن أحوال حياتينا ، محطة كلها في السياسة ، التي أبى صديقي إلا أن نخوض فيها وخاصة منها صدقية ما سمعه ويسمعه عن سياسة الحكومة المغربية وقصص وزرائها ،  والتي ركز على مقارنتها بنظرائهم في فرنسا ، معتبرا أن المناصب في المغرب والبلاد العربية عامة ، أصنام يعبدها كبار رجال الدولة" ، وتتهالك النخب الحزبية للحصول عليها  ، ويرتجف أصحابها خوفا من فقد هيبة سلطانها وزوال كرم امتيازاتها ، حتى أنه إذا ما حدث أن غادر أحدهم موقعه فيها ، ونزل من على كراسيها ، فإنه لا يغادرها إلى عمل انساني نبيل ، أو نشاط اجتماعي مفيد ، أو ثقافي أصيل ، أو بحث علمي جاد ورزين ، وإنما يغادرها للوقوف في طابور الانتظار وعلى قائمته الطويلة ، أملا في عودة ألقاب الأمراض الرسمية ، ليكون جزءا من حكومة مستنسخة من حكومة سابقة منتهية ، وواحدا من تشكيلة حكومة مقبلة تعج بجيش جرار من الوزراء ، الذين لا يعلم الواحد منهم من شأن منصبه شيئا، سوى أنه رقم في حكومة متخمة بالوزراء ، الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا رؤية لأكثريتهم ولا مشروع ولا جدوى ، غير ما يتصنعوه من رساميل الجاه والأصل النبيل والمصاهرة ، بالإضافة إلى آلية الانتخابات المزورة أحياناً ، وما يتقنونه من هدر الإمكانات والوقت في الكلام الذي لا يصلح من أمر البلاد ولا يغير من أحوال العباد الذين حملوهم مسؤولية تدبير شؤونهم ..
مسلسل طويل وممل تعيشه الكثير من البلاد العربية والمغاربية منذ عقود وكأنه مرض مزمن، لا أمل في الخلاص منه ، أصاب منصب الوزير أي وزير وفي أية حكومة كان ، وحوله إلى مصدر بلاء على وزارته والحكومة وبالتالي على البلاد بكاملها ، لانهماك غالبية المستوزرين  في تكتيكات التموقع في كل مؤسسات الدولة ، ورهانات الاستحقاقات الانتخابية ، حيث تكون أولى مهام الواحد منهم ، ومنذ الساعات الأولى لتوليه للمنصب ، هو طرد كل رجال الوزير السابق وأعوانه ، وتغيير أثاث وألوان جدران مكاتب وزارته ، ليناسب في الغالب ألوانه السياسية –إن كان منتميا سياسيا-وأهواءه الشخصية ، وبعدها يلغي كل ما حقق سابقه خلال تدبيره للوزارة  ، حتى لو تميز بالحرفية والمهنية والإتقان والفنية وجودة المنتوج ، ثم يبدأ من حيث بدأ السابقون جميعهم، وليس مما انتهوا إليه من إبداع وخلق وإضافة وآثار ، مبعدا نفسه عن الانخراط في مشاكل الإصلاحات الكبرى ، وتحسين الخدمات  التي توجع قلوب الوزراء، -كما في التعليم والصحة والشغل والنقل والتجهيز -مجنبا دماغه كل ما يعكر المزاج ، من تفكير في الإكراهات الاقتصادية ، والموازنات المالية ، واسترجاع سيولة الأموال المهربة ، والحد من إشكاليات المديونية ، وإنتاج الوضعيات الاقتصادية السليمة ،  ناهيك عن النزاهة والاستقلالية ، والعدالة الاجتماعية وتقديم مصلحة الوطن والمواطن على إرضاء الأطراف القوية النافذة ، وغيرها من القيم  الكفيلة بإخراج البلاد من عنق الزجاجة التي تتطلب العبقرية والإلهام والموهبة ، الشيء الذي يتنافى مع منصب الوزير الذي يظل عامل الكفاءة فيه ثانوياً ، لاعتماد الوصول إليه على الشروط التي أجملها المحلل السياسي المغربي، إدريس لكريني في "الأصل النبيل" و"الإمكانيات المالية" و"الرضا المخزني" .
وختم محدثي تحليله بقوله : إذا كان الوزراء بهذه الصفات ، وأنهم حقا السبب الأساس في ويلات الوطن وصناعة الأزمات ، وتعاظم المعانات ، وتعميق الخلافات ، وتأجيج الفتن ، المفضية إلى انحدار البلاد  إلى البؤس والفقر ؟؟.. فلماذا لا نلغي منصب الوزير من تركيبة الحكومات ؟ مادام انشغال بعضهم ينحصر في الاستحواذ على مقدرات البلاد ، والإنفاق على ملذاتهم وشهواتهم ومليشياتهم وشركاتهم وسماسرتهم وأحزابهم ، بكرم حاتمي من جيوب المستضعفين ، غير مبالين بما تعيشه البلاد من تحولات قيمية وانكسارات أخلاقية ، لم تفلح الحلول السياسية والاقتصادية ولا حتى الدينية في مواجهتها، الأمر الذي لاشك سيوفر على الخزينة الملايير..
بقلم الأستاذ حميد طولست

جمعتني الصدفة بأحد الأصدقاء القدامى بأحد المقاهي الراقية المؤثثة لرصيف النيل وهو يعبر مدينة القاهرة الليل بامتياز ، بوقار إلى مصبه بالبحر ، والأضواء تتراقص على صفحته وينتشي نسيم الليل المعربد ينشينا بأريحية وكرمه الحاتمي بنسمات سكرى ، كان اللقاء مناسبة مشحونة بلهفة كل منا لمعرفة أخبار الآخر ، وخلال زخم الحديث المزدحم بشوق محدثي لذكريات وروائح الوطن وعطر التاريخ وأخبار الأهل والمعارف ، وفي جو يعبق بنسائم إيقاع الموسيقى ونغمة اللحن وجمال اللوحة المكان ، عرجت بنا زحمة الحديث إلى محطة بعيدة عن أحوال حياتينا ، محطة كلها في السياسة ، التي أبى صديقي إلا أن نخوض فيها وخاصة منها صدقية ما سمعه ويسمعه عن سياسة الحكومة المغربية وقصص وزرائها ،  والتي ركز على مقارنتها بنظرائهم في فرنسا ، معتبرا أن المناصب في المغرب والبلاد العربية عامة ، أصنام يعبدها كبار رجال الدولة" ، وتتهالك النخب الحزبية للحصول عليها  ، ويرتجف أصحابها خوفا من فقد هيبة سلطانها وزوال كرم امتيازاتها ، حتى أنه إذا ما حدث أن غادر أحدهم موقعه فيها ، ونزل من على كراسيها ، فإنه لا يغادرها إلى عمل انساني نبيل ، أو نشاط اجتماعي مفيد ، أو ثقافي أصيل ، أو بحث علمي جاد ورزين ، وإنما يغادرها للوقوف في طابور الانتظار وعلى قائمته الطويلة ، أملا في عودة ألقاب الأمراض الرسمية ، ليكون جزءا من حكومة مستنسخة من حكومة سابقة منتهية ، وواحدا من تشكيلة حكومة مقبلة تعج بجيش جرار من الوزراء ، الذين لا يعلم الواحد منهم من شأن منصبه شيئا، سوى أنه رقم في حكومة متخمة بالوزراء ، الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا رؤية لأكثريتهم ولا مشروع ولا جدوى ، غير ما يتصنعوه من رساميل الجاه والأصل النبيل والمصاهرة ، بالإضافة إلى آلية الانتخابات المزورة أحياناً ، وما يتقنونه من هدر الإمكانات والوقت في الكلام الذي لا يصلح من أمر البلاد ولا يغير من أحوال العباد الذين حملوهم مسؤولية تدبير شؤونهم ..
مسلسل طويل وممل تعيشه الكثير من البلاد العربية والمغاربية منذ عقود وكأنه مرض مزمن، لا أمل في الخلاص منه ، أصاب منصب الوزير أي وزير وفي أية حكومة كان ، وحوله إلى مصدر بلاء على وزارته والحكومة وبالتالي على البلاد بكاملها ، لانهماك غالبية المستوزرين  في تكتيكات التموقع في كل مؤسسات الدولة ، ورهانات الاستحقاقات الانتخابية ، حيث تكون أولى مهام الواحد منهم ، ومنذ الساعات الأولى لتوليه للمنصب ، هو طرد كل رجال الوزير السابق وأعوانه ، وتغيير أثاث وألوان جدران مكاتب وزارته ، ليناسب في الغالب ألوانه السياسية –إن كان منتميا سياسيا-وأهواءه الشخصية ، وبعدها يلغي كل ما حقق سابقه خلال تدبيره للوزارة  ، حتى لو تميز بالحرفية والمهنية والإتقان والفنية وجودة المنتوج ، ثم يبدأ من حيث بدأ السابقون جميعهم، وليس مما انتهوا إليه من إبداع وخلق وإضافة وآثار ، مبعدا نفسه عن الانخراط في مشاكل الإصلاحات الكبرى ، وتحسين الخدمات  التي توجع قلوب الوزراء، -كما في التعليم والصحة والشغل والنقل والتجهيز -مجنبا دماغه كل ما يعكر المزاج ، من تفكير في الإكراهات الاقتصادية ، والموازنات المالية ، واسترجاع سيولة الأموال المهربة ، والحد من إشكاليات المديونية ، وإنتاج الوضعيات الاقتصادية السليمة ،  ناهيك عن النزاهة والاستقلالية ، والعدالة الاجتماعية وتقديم مصلحة الوطن والمواطن على إرضاء الأطراف القوية النافذة ، وغيرها من القيم  الكفيلة بإخراج البلاد من عنق الزجاجة التي تتطلب العبقرية والإلهام والموهبة ، الشيء الذي يتنافى مع منصب الوزير الذي يظل عامل الكفاءة فيه ثانوياً ، لاعتماد الوصول إليه على الشروط التي أجملها المحلل السياسي المغربي، إدريس لكريني في "الأصل النبيل" و"الإمكانيات المالية" و"الرضا المخزني" .
وختم محدثي تحليله بقوله : إذا كان الوزراء بهذه الصفات ، وأنهم حقا السبب الأساس في ويلات الوطن وصناعة الأزمات ، وتعاظم المعانات ، وتعميق الخلافات ، وتأجيج الفتن ، المفضية إلى انحدار البلاد  إلى البؤس والفقر ؟؟.. فلماذا لا نلغي منصب الوزير من تركيبة الحكومات ؟ مادام انشغال بعضهم ينحصر في الاستحواذ على مقدرات البلاد ، والإنفاق على ملذاتهم وشهواتهم ومليشياتهم وشركاتهم وسماسرتهم وأحزابهم ، بكرم حاتمي من جيوب المستضعفين ، غير مبالين بما تعيشه البلاد من تحولات قيمية وانكسارات أخلاقية ، لم تفلح الحلول السياسية والاقتصادية ولا حتى الدينية في مواجهتها، الأمر الذي لاشك سيوفر على الخزينة الملايير..