بقلم الأستاذ حميد طولست
إن من يتابع ما عاشه حزب الاستقلال في الأيام الأخيرة ، ولازال ، صراعات مصلحية تتحدث عن نفسها بين فصائله ، لاشك أنه يرى أن مآلها ، ومن دون مبالغة
أو مزايدة، بلا أفق واضح ، وأن مصيرها الإنفجار
الذي تفرضه الحتمية التاريخية التي تقتضي أن كل التكثلات وكل التجمعات على اختلاف مرجعياتها
السياسية و الاجتماعية وحتى الاقتصادية المبنية على المصالح الذاتية ، لا مندوحة لها
من تصارع المكاسب وتصادمها، مادام الخيط الناظم بين مكوناتها هو المصالح المتعارض المتضاربة
والمتناقضة ، بخلاف التكثلات والتجمعات ، التي أسس بنيانه على القيم والمبادئ الإنسانية ، لا يمكن أن يشكل
أي خلاف بينها إلا إضافة جديدة تقويها ، كما كان الحال بالنسبة لحزب الإستقلال الذي
عرفناه مع علال الفاسي والقادري وبوستة والدويري ، وغيرهم من الرواد الأوائل الذين
من جمعوا إلى جانب العمل السياسي والجهاد الوطني ، زعامة الفكر وأصالة الرأي، وكانوا
خير من جسَّد أخلاقيات الوطنية الحقة الملتزمة بالبعد الإنساني الرفيع ،
بما إمتلكوا من كفاءات علمية ومهنية عالية
،وما امتازوا به من مواقف سياسية واضحة ، مثلت القيمة الحقيقية للقيادة الحكيمة الخلاقة
التي استطاعت أن أن تلهب حماس الجماهير وتسيطر على أفئدتهم، بما أتقنوه من حسن تدبير
للاختلافات الحزبية الداخلية ، التي انتفت أو كادت تنتفي من حزب الإستقلال اليوم ،
الذي لا يمكن إلا أن يأسف المرء لما يقع فيه وعليه من ذوي القربى الحزبيين الذين شذت
غالبيتهم - في ظل ما يعرفه المجتمع السياسي
المغربي من تحولات العمل الحزبي- عن نهج سلفهم الصالح ، وتبنوا مجموعة من السلوكيات
المكرسة للذاتية ، والموطدة للبراغماتية ، والمحللة لقيم الريع الحزبي ، الذي جعل المصالح
تتعارض، والمكاسب تتصادم ، والمنافع تتصارع ، والتبريرات تتخبط في تبرير ما لا يجوز
تبريره منها حسب الهوى والمزاج، ما وخلق مشاكسات جانبية وصراعات قوية ، ميعت العمل
السياسي ، وبخست المجال الحزبي ، وعَرِّضت النظرة المجتمعية له للتآكل، ونفرت الناس
منه ، بما نشرت في أجوائه من تقاتل واحتراب وتشاتم ، أسهمت في تخلف الحزب ونكوصه ،
ودفع به الى حافات الهدم والتخلف عن الركب ، وفقدان القدرة على تقديم الحلول ، ومسايرة
التطور ، واشباع حاجات المنخرطين الى الديمقراطية الداخلية ، الغائب الأكبر من عمق
هذا الكيان الحزبي العظيم الذي كلما اقترب من مركز القرار فيه تراءت للمتفحص معالم
السلطوية والدكتاتورية الإدارية ، المعضلة المرضية التي نخرت جسده من الداخل ، وقوضت
بنيانه التنظيمي ، وأدت به في النهاية إلى ما هو عليه اليوم من هشاشة وترهل ، لاشك
ستؤثر سلبا على المشهد السياسي المغربي بمجمله .
فهل من منقذ لهذ الصرح العظيم ممن يعتاشون
عليه ولا تهمهم خدمته ولا خدمة الوطن والمواطنين من خلاله ، بقدر ما يهمهم ما يحققون
فيه ومنه من مكاسب وما يحوزون من امتيازات ؟؟..