adsense

2019/09/08 - 1:28 ص

بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
  "  كفى، اتقوا الله في وطنكم "، دعوة ملكية ، تضمنها خطاب العرش سنة 2017. توجهت خاصة إلى المشرفين على تدبير الشأن العام. لكن مقصدها ينسحب بالتأكيد على كل من يتحمل مسؤولية تدبير نشاط مدر للدخل مهما كان النشاط خاصا أو عاما.
  ما دفع إلى استحضار هذا التوجيه الملكي، هو النقاش الجاري حاليا ببلادنا عبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، النقاش الذي أعقب البرنامج الإذاعي الشهير الذي يشرف عليه الصحفي القدير محمد عمورة. برنامج أسبوعي ناجح يستقطب متابعة واسعة من طرف المواطنين، يحمل إسم " احضي راسك". برنامج اتخذ كموضوع له "الخيانة الطبية". تم تقديم الجزء الأول صبيحة السبت 24 غشت 2019.
 وإذا كانت الحلقة قد سجلت تفاعلا كبيرا من طرف المستمعين الذين بادروا إلى تقديم أمثلة عن الاختلالات الكبرى التي تعرفها منظومة الصحة، فإن الغريب أن يبادر المسؤول الأول عن القطاع إلى رفع شكوى إلى الهاكا، تستهدف الحيلولة دون بث الجزء الثاني من الحلقة.
 وأعتقد، يا أستاذ عمورة أنكم "جانبتم الحقيقة"، بل، وأستسمحكم عن العبارة: " أنتم مجرد صحفي مفتر". لقد تربى جيلنا على اعتبار الأطباء والممرضات "ملائكة الرحمان"، وتأتي سيادتكم لتحاول التشويش عن هذه الصورة الجميلة التي تحتفظ بها مخيلتنا عن المشتغلين بمجال الصحة.
 نريد لهذه الصورة أن تصمد حتى أمام بعض الوقائع التي عايناها أو سمعنا عنها من أقرب الناس لنا، وقائع تخدش هذه الصورة البنفسجية عن "ملائكة الرحمان" .
 قبل ما يزيد عن سنة، كنت صحبة صديق لي، تشتغل أخته بالقطاع الخاص وتستفيد من التغطية الصحية. أصيبت بسرطان الثدي وكان من المفروض أن تخضع لعملية جراحية بعيادة خاصة، مع ما يواكبها من إجراءات أخرى. التمست المريضة من الطبيب المشرف عليها أن يعطيها فاتورة تغطي كل الأتعاب المطلوبة لتقدمها لشركة التأمين. تسلمت الفاتورة وتلقت الموافقة على التحمل من طرف الشركة. حان يوم إجراء العملية وبينما هي تودع أهلها قبل أن تلج غرفة العمليات، إذا بالطبيب يسألها: هل زرعت لك آلة معينة تحت إبطك؟ أجابت بالنفي. فرد بأنه لا يمكن بدء العملية إلا بعد وضعها. استسلمت للأمر، لكن طلب مقابلا للآلة وكذا مقابلا على أتعابه، بل ولما حضرت صبيحة اليوم الموالي، كشف عنها ليرى هل كل الأمور على ما يرام. فطالب مرة أخرة أجرة عن الكشف. الخلاصة أن الشابة وجدت نفسها تؤدي مبالغ ثقيلة إضافية من جيبها، كان من المفروض أن تضمها الفاتورة التي قدمتها لشركة التأمين.
 لا تظن أن مثل هذه التصرفات استهتار بالمسؤولية، يا أستاذي عمورة، بل نفهمه، نحن ــ مدمني هذه الصورة الوردية ــ عن ملائكة الرحمان، على أنه مجهود كبير وتضحية جمة من الطبيب الذي يسهر على كل التفاصيل، كل التفاصيل، بينما العداد لا يتوقف " الحساب صابون " كما يقال. أما الحرص على ضبط الفاتورة ومراعاة إمكانيات المريض المالية، فهذه مجرد تفاهات ستلهي الطبيب عن القيام " بفتوحاته النبيلة" .
 كان ذلك مما عاينته، أما ما سمعته، فأذكر فقط ما أسرت لي به مساعدة طبية تشتغل بعيادة طبيب مختص مشهور بفاس كشف " الحاج " عن سيدة مريضة متواضعة الحال، قادمة من ضواحي تازة. كانت المسكينة قد دبرت أجرة الطبيب ومصاريف النقل، ولم تكن تتوقع أنها ستخضع لفحوصات أخرى من غير أن تستشار. فطولبت بأداء أتعاب إضافية، ولما التمست مهلة للإتيان بالمطلوب، خرج الطبيب شخصيا من مكتبه بعد أن أخبرته المساعدة بالأمر. رمقت عيناه أن السيدة تحمل أقراصا ذهبية في أذنيها، فأمر المساعدة بأن تنتزعهما منها كضمانة. أليس من حق " ملائكة الرحمان" حماية حقوقهم؟ أما من له قلب ضعيف يحن ويعطف على مثل هذه الحالات، فهو مريض، ومثل طبيبنا هذا موجودا للقيام بالمتعين.
  أستاذي عمورة
  أما الحديث عن "النوار" والشواهد الطبية المزيفة التي تورط فيها العديد من الأطباء وقادت إلى الرمي بأبرياء في السجون(هناك حالات لا تزال معروضة على المحاكم المغربية)، فهذه وقائع حدثت في كوكب المريخ وادعى الحساد، كذبا وبهتانا، بأنها وقعت عندنا.
 لذلك، ما يؤاخذ على الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء، انها اشتكت من برنامج " احضي راسك"، ومن الإعلامي القدير السيد عمورة فقط، في حين كان من المنطقي أن تشكو أيضا حتي المسؤول الأول على القطاع الذي اعترف في الرسالة إياها، بأن هناك اختلالات يعرفها الجسم الطبي وهناك لجان تتولى معالجتها. أليس هذا التصريح يمس بالصورة الوردية التي كبرنا نحملها عن ملائكة الرحمان؟
   استسمح مجموعة ناس الغيوان وأقتبس مقطعا من أغنية كانت المجموعة قد رثت بها الفنان المسرحي الجزائري علولة المغتال خلال العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر:
                      "علولة (عمورة) واو ا وا علولة ( عمورة)
                     علولة (عمورة) فاكــدني    ونــصــيح معـــاك
                     يا المولى لا هادي غيرك    يهدي قلوب معلولة"