adsense

2019/09/21 - 10:47 ص


بقلم الأستاذ حميد طولست
شعور المرء في أي عمر كان ، بأنه في أفضل حال ، وأنه بصحة جيدة ، أمر مهم للغاية ، ويصبح أكثر أهمية مع التقدم بالعمر الذي يبدأ معه انخفاض الصحة ، وشيوع الأمراض المزمنة والإعاقات النفسية والعاطفية والصحية التي تعتري أجساد كبار السن وأمزجتهم ، والتي لا يتخيل المرء أن يجد نفسه يوما عرضة لبعض ألوانها ، وقد غير  حاله ، وتبدلت أحواله ،  وإنتكس معخا مرضه اللعين ، الذي أتعب جسده ، وحطم أحلامه ، وأربك أولوياته ، وغيب البسمة عن وجهه ، وأخفى الفَرحة من حوله ، وصغّر الدنيا في عينيه ، وجز به تحت أنقاض حزن خيبات الحظ ومآسي هزائم معارك التطبيب الضارية ، وحروب العلاجات الطويلة المضنية ، التي لم تُجْدِ مع علته نفعا ، لا أطنان الأقراض الطبية التي إبتلع ، ولا الخلطات الشعبية المتنوعة التي تجرع ، ولا العمليات الجراحية التي أجرى ، ولا الفحوصات المعملية والتحليلات المختبرية التي تحمل ، وكأن لمرضه مناعة خارقة ، أو كأنه متعاقد مع بعض الأطباء والصيادلة وشركات الأدوية ومختبرات التحليل ومعامل الأشعة ، على نسبة عمولة يحصل عليها منهم، كلما استنزف ميزانياته وبدرها على تطبيب وأدوية وعمليات تافهة ، و مستشفيات وعيادات ليس بها إمكانيات ، ولا تخصصات ، ولا كفاءات .
ورغم وجود أطباء شرفاء وأصحاب ضمائر حية ، لا نستطيع ايفاءهم حقهم من الشكر والثناء ، إلا أنه يتأكد ،بسهولة وبالملموس ،لأي قارئ للتقارير الدولية والمتأمل في أرقامها ، أنه أمام قطاع صحي فاشل في كل منظومته ، فاشلة في مستشفياته المعانية من الفقر المدقع في كل شيء ، من الموارد البشرية وظروف ووسائل عملهم ، ومن النقص الحاد في الأسرَّة ومستلزمات وأدوات التطبيب ، والاكتظاظ المهول ، إلى سوء الحكامة والتدبير ،  وانعدام النظام ، وفوضى التسيير ، وانتشار مظاهر الفساد ، وبؤس الخدمات المقدمة في النظافة و التغذية، وغيرها من النواقص والاختلالات التي حولت جل المنشات الصحية الحكومية إلى أسواق أسبوعية يختلط فيها المرضى بسماسرة الصحة ، الذين يحولون المرضى الذين صعب عليهم الحصول على الرعاية الصحية  في المنشات الحكومية المشخصة للبؤس وصناعة الموت بعينه ، نحو القطاع الخاص الذي يصبحون فيه زبائن يشترون رحلة  العذاب الشاقة بأثمان غالية وتسعيرات خيالية تقصم ظهورهم ،وتدفع بأهلهم إلى الاستدانة أو بيع ممتلكاتهم لتوفير ما يلزم من اموال.
فما السبيل يا ترى للحد من هذا الاستهتار وهذه الاستهانة بصحة و حياة المواطنين البسطاء ، واللامبالاة بوجودهم وكينونتهم وإنسانيتهم التي تعرفها المنظومة الصحية وتسببت في إفقار وموت الكثير منهم دون وازع من ضمير أوخوف من الله أو رحمة.