adsense

2019/09/10 - 10:03 م


بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
"المدرسة في خطر"، ترجمة لعنوان كتاب صدر بالفرنسية  << L’Ecole en pérel>>للكاتب الكندي المختص في شؤون التربية والتكوين Jacques Samson سنة 2016. كان للكتاب صدى كبير بفرنسا التي يعيش نظامها التعليمي مشاكل كبرى. وإذا كان الكاتب ينبه إلى التدهور الذي يعرفه التعليم في كندا، وهي المتقدمة في هذا المجال، فما الذي يمكن قوله بخصوص منظومتنا في التربية والتكوين والتي رغم برامج الإصلاح المتتالية والمكلفة لازالت بلادنا تحتل أدنى المراتب على المستوى التعليمي؟ أكثر من ستين سنة مرت على الحصول على الاستقلال، ولا زال اللغط متواصلا حول لغة التدريس !!
الحديث بخصوص هذا الموضوع لا يمكن اختزاله في فقرات، سأشير فقط إلى مقارنة بسيطة بين نظام التعليم ماضيا وحاضرا، مقارنة تتعلق ببرنامج ومقرر قسم التحضيري (السنة الأولى من التعليم الإبتدائي). أذكر اليوم الأول بالفصل الدراسي (موسم 1965/1966،)حيث وزع علينا الأستاذ وريقات صغيرة تضم اللوازم الدراسية. فماذا كانت تضم؟             
حزب "سبح" من القرآن الكريم، كتاب المطالعة "إقرأ"، دفتر الامتحان، دفتر 24 ورقة للتمارين وأخيرا دفتر 12 ورقة. إضافة إلى ريشة وقلم الرصاص ومسطرة. هذه هي اللوازم التي طلب منها إحضارها. دفترا الامتحان والتمارين احتفظ بهما في خزانة القسم لاستعمالهما عند الحاجة. أما دفتر 12 ورقة المخصص للخط، فقد قطعه الأستاذ أفقيا إلى نصفين. وزع علينا في البداية النصف الأول لنتدرب فيه على الخط والكتابة. ولما امتلأ ، أعطانا النصف الثاني. أما بخصوص عدد الحصص، فلم تكن تتعدى خمس عشرة ساعة أسبوعيا، أقول خمس عشرة ساعة، بمعدل ثلاث ساعات يوميا. كان في مستوى التحضيري، بمدرسة درب الزاوية فاس الجديد، فوجان: فوج الصباح وتمتد الحصة ما بين8و30دقيقة إلى 11و30دقيقة. والفوج الثاني، وكنت ضمنه، فتنطلق الحصة على الثانية وتنتهي عند الخامسة مساء. فضلا عن ذلك، الدراسة كانت تتوقف أيام الجمعة والأحد. 
الخلاصة، كانت الوسائل بسيطة وساعات الدراسة أقل، في حين كان المردود التعليمي أفضل. أما حاليا، فالملاحظ أن هناك تعددا مبالغا فيه في الوسائل ومضاعفة الحصص الدراسية، ومع ذلك، الحصيلة التربوية لا تزداد إلا تدهورا.
أذكر أني حضرت أياما ثقافية من تنظيم نقابة تعليمية، ربما كان ذلك خلال ربيع 1998. وكان يوم دراسي قد انصب على مستوى التحضيري. ساهم فيه زمرة من الأساتذة الذين يدرسون هذا المستوى. تفاديا للإطالة، أذكر أنه طلب منهم الإجابة عن سؤال واضح دقيق ومضمونه:
ما هي الحصيلة التي ينبغي أن يكتسبها الطفل في نهاية السنة بمستوى التحضيري؟ ما هي الأهداف المطلوب تحقيقها؟ يمكن القول بأن التداول و النقاش خلص إلى أن التلميذ، في نهاية التحضيري، مطالب بأن يكتسب القدرة على "تهجي" الحروف والكلمات، وأن يتعرف على الأعداد من 1 إلى100 وأن يستوعب بعض عناصر الفضاء (فوق\ تحت\ يمين\ يسار..).
هي أهداف بسيطة للغاية، لكن في سبيل تحقيقها، تتعقد وتتعدد الوسائل بشكل مبالغ فيه، مما يساهم في تشتيت انتباه التلميذ وإثقال محفظته (مطالعة، كتب التفتح؟ النشاط؟ ...) وخلق الملل لديه، فضلا عن ذلك، تهدر طاقات وتضيع مجهودات في محاولة ترسيخ مكتسبات لا تستجيب لحاجيات التلميذ. إن المتأمل لواقعنا الحالي، يلاحظ وللأسف وجود تلاميذ، بعد أكثر من إحدى عشرة سنة من الجلوس على الطاولة في الفصل الدراسي، لم يكتسبوا حتى القدرة على القراءة السليمة لفقرة مكتوبة باللغة العربية، وبالأحرى بلغة أجنبية. كمثال حي لذلك، خلال الموسم الدراسي الأخير 2017\2018، أثار انتباهي تلميذ في الأولى باك، شعبة الأدب والعلوم الإنسانية، لا يدون شيئا عند إملاء فقرات على التلاميذ إلا بعد أن ينتهي زميله، فيقوم بعد ذلك هو برسم واستنساخ ما كتب، لسبب واحد هو أنه غير قادر على القراءة ولا على كتابة ما يملى عليه. إحدى عشرة سنة من التحصيل لم تثمر شيئا. أين مكمن الخلل؟      أخلص إذن، أنه بوسائل في غاية البساطة وبوعاء زمني أقل، كانت تتحقق مردودية أجود. في حين أن المبالغة في الوسائل وتعقدها وتعددها، بفعل تحكم الهاجس التجاري، إضافة إلى طول المقررات و"بوارها" لم يساهم، ضمن عوامل أخرى إلا في مزيد من تدهور منظومة التربية والتكوين في بلادنا.