adsense

2019/09/09 - 2:13 م

بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
مع الاستعدادات المواكبة للدخول المدرسي، يطغى الحديث، كل سنة، عن واجبات التأمين التي تطالب بها مؤسسات التعليم الخصوصي التي صارت تنبت هنا وهناك كالفطر، واجبات يبدو أنها تحدد بحسب مزاج وجشع أصحابها. ما يؤكد ذلك، هو التفاوت الحاصل بين هذه المؤسسات في مقدار هذه الواجبات، إذ تتراوح على العموم، وحسب تصريحات العديد من الأولياء عبر قنوات تلفزية وطنية، بين 800 و 3000 درهم. يحصل كل ذلك، والقائمون على الشأن التربوي يتفرجون بل ويبدون عاجزين عن مواجهة هذا الشجع الذي أصبح يعاني من ويلاته العديد من المواطنين.
لقد صار من البين أن واجبات التأمين تدر الملايير على شركات التأمين وخاصة المحظوظة منها، من فازت بصفقة تأمين المتمدرسين. تصوروا: إذا نحن انطلقنا من الإحصائيات الأخيرة التي تشير إلى أن التعليم الخصوصي أصبح يستقطب ما يناهز 15 % من عدد المتمدرسين على الصعيد الوطني وافترضنا أن عددهم هو ستة ملايين تلميذ فقط، وافترضنا أن واجب التأمين، كمعدل، يتحدد في مبلغ 800درهم وهو ما يمثل الحد الأدنى التي تطلبه هذه المؤسسات، فإنه بعملية حسابية، يكون مجموع ما تحصله شركات التأمين فقط في قطاع التعليم الخاص، يعادل ما قيمته: تسعمائة مليون درهم ( 72 مليار سنتيم).
إنه بالتأكيد مبلغ فلكي يسيل اللعاب و"يخرس الألسن" ويبعث على العجب، عجب يتضاعف حين يجد المواطن نفسه وقد أوفى بكل التزاماته، في حاجة إلى الاستفادة من خدمات شركات التأمين، فيصطدم بالعديد من الإجراءات المعقدة بل وقد يكتشف أنه كان ضحية نصب.
كثيرة هي الحالات التي يمكن أن نرجع إليها بهذا الخصوص، غير أننا سنتوقف عند مثالين:
 ــ الأول ويتعلق بطفل بمدينة وجدة، أصيب بكسر في كتفه، فتطلب الأمر، بعد القيام بالإجراءات الإدارية نقله نحو إحدى المصحات. وقد تطلبت التدخلات الطبية قضاؤه ليلة بها. صبيحة اليوم الموالي، حضر وليه لتسلمه، فرفضت المصحة واشترطت أن تتسلم مصاريف العلاج نقدا أو تسلم شيكا للضمان. أما شركة التأمين فلم يسجل لها أي حضور حتى تلك الساعة. فما الفائدة من التأمين إذن؟
ــ الثاني وكانت الواقعة بمدينة البيضاء وبالضبط بحي البرنوصي. لسنا نحن الآن بوجدة والتي ربما سيبرر البعض التأخر في التدخل بالبعد. نحن الآن بالبيضاء حيث المقرات المركزية لشركات التأمين. أصيب طفل بكسر في رجله داخل مؤسسة تعليمية الخاصة. نقل إلى المصحة وقدمت له العلاجات الضرورية. وعند الاستعداد لمغادرتها طولب وليه بالآداء. فكان رده بأن ابنه مؤمن. وبعد القيام بالاتصالات الضرورية، وجد نفسه أمام "صدمة كانت قوية"، لقد أخبر بأن شركة التأمين ملزمة فقط بأداء 500 درهم وأنه ملزم بالباقي. ولما استفسر عن الأمر، اكتشف أن المؤسسة التعليمية التي يدرس فيها إبنه لا تؤدي عن كل تلميذ سوى خمسة دراهم فقط  وأن سقف التعويض التي تؤديه شركة التأمين  في هذه الحالة هو 500 درهم !!! تبين عندئذ، أنه كغيره من الأولياء ضحايا نصب.
  لا بد من التدخل الفوري للمسؤولين على القطاع للحد من هذه الفوضى ورفع الحيف الذي يلحق المواطنين العزل وهم يواجهون هذا الأخطبوط. من حقنا أن نعتبر تلك المداخيل الكبرى مجرد ريع، مادام أننا لا نرى في ما تقدمه المؤسسات الخصوصية وشركات التأمين خدمات فعلية وملموسة احتراما وتقديرا "للزبون الذي ينبغي أن يكون ملكا" كما يقال. 
لماذا لا تقدم مثلا لكل تلميذ أدى واجبات ــ واجبات ينبغي أن تكون معقولة ــ للتأمين وثيقة تحدد له حقوقه والتي من شأن تقديمها، عند حصول حادثة، إعفاؤه من عناء الإجراءات الإدارية البطيئة وضمان التدخل السريح للمصالح الطبية عند الحاجة.
 لا بد من ضبط مجال التأمين المدرسي، لا بد من إعادة النظر في القوانين المنظمة للقطاع وإخضاعه للمراقبة وضمان الشفافية والحكامة والإنصاف حتى يغدو المواطن الأعزل محصنا أمام عديد من مؤسسات تعليمية لا تزيد إلا طمعا وشركات تأمين لا تزيد إلا جشعا.