adsense

2019/09/27 - 4:52 م


بقلم الأستاذ حميد طولست
ذكرني تصدر المغاربة لقائمة الأكثر متابعة لما يقع من أحداث في العديد من الدول -مصر وتركيا وبورما وسوريا على سبيل المثال- والانجرار وراء ما يروج بها وحولها من أخبار صادقة كانت أو كاذبة ، وتركيزهم على صغيرها و كبيرها وحتى الذي لا قيمة له منها ، دون تحقق من صحتها أو تدقيق في مصادرها ، كما هو حال إجترارهم لفيديوهات "مقاول الجيش" محمد علي ، التي تروج لها فضائيات الإخوان المسلمين المبثوتة من كل قطر وتركيا .
ذكرني ذلك بانتشار الظاهرة الإنسانية النابعة من غريزة الفضول وحب الاستطلاع المرتبط بعموم الناس ، وبين جل المغاربة وعلى وجه الخصوص ساكنة حي فاس الجديد الذي ترعرعت به ، والذين كان السمة البارزة والمسيطرة في غالبية أهله ، وجعلهم على استعداد تام وفي حالة تأهب دائم ، لتلقف أي حدث أو خبر أو أي شيء طارئ وغامض وغريب ، والاهتمام به ومتابعته ، والإشغال بحل ألغازه ، حتى لو كان حدثا أو خبارا تافها، ولم يكن له علاقة بهم، وليس لهم فيه مصلحة ، الوضع الذي ألفت وعدد من شباب جيلي ، إستغلاله في ترويج بعض الإشاعات البسيطة ، وإطلاق بالوناتها في بعض الصباحات ونحن في طريقنا إلى مدارسنا ، لنختبر بها مدى تجاوب ساكنة حينا الطيبين معها، والتي كثيرا ما كنا نتفاجأ عند عودتنا، بما تكتسبه من إنتشار عارم يحولها إلى شبه حقيقة يتناقلها الناس ،
كما أذكر جيدا المقالب التي كنا نقوم بها ، والتي كنا نقف -في واحد منها -بين حين وآخر وسط الشارع الرئيسي لفاس الجديد ومركزه نشاطه التجاري الكبير ، وبالضبط قبالة "باب السمارين*"  تم نبدأ بالنظر إلى السماء ، مشيرين بأيدينا إلى أعلى البوابة التاريخية الضخمة العملاقة ، وكأننا ننظر إلى شيء ما مختبئ في أحد ثقوبها، فلا يلبث أن يقف بجانبنا أحد الفضوليين لينظر لنفس الاتجاه الذي ننظر إليه ، تم يقف فضولي تان وثالث ، ويأتي آخر وآخر، بعد أن تتأجج غريزة الفضول وحب الاستطلاع لديهم ، وتزداد سيطرة "عشق الفراجة" عليهم ، فيشتد التجمهر وتكبر الجوقة ويتضخم حجمها حول وعند موقع الحدث المفتعل ، ويزداد الخلاف ويحتدم الاختلاف بين متسائل عن كينونة الشيء الموجود في أعلى البوابة ، وبين من ينفي وجوده ، وهنا يتم انسحابنا من الساحة ، تاركين أعناق المتجمهرين مشرئبة إلى أعلى البوابة ، وأيديهم مرفوعة نحو أبراجها، وكلهم رغبة عارمة في تحقيق سبق إكتشاف ماهية الشيء ، والذي غالبا ما يطلقون العنان لمخيلاتهم  لتتفنن في تجسيده وتصوره ، كل حسب مزاجه أو حسب تأثره بما يروجه حوله الواقفون من عوام وناقصي المدارك من أهل حينا الشعبي ، الذين لا تثريب عليهم  ولا عتب على فضولهم الذي كان غريزة فطرية مجردة من الغل والحقد، والذي هو جزء من منظومة المجتمع –الذي لا يخلو منه أي مجتمع - تتفاوت درجاته من شخص لآخر بناء على رقي الإنسان وتحضره وثقافته ووعيه ، قبل أن يتحول فضول الكثيرين منهم -في ظل تدخل وسائل الإتصال المتطورة والإعلام النشط في تغيير مسارات الرأي العام أو تأجيجه أو تأليبه ، تبعا لمصلحة بعض الحكومات أو الأحزاب أو الجهات - إلى أزمة ولاء لغير أوطانهم و"هجرة وجدانية" بلدانهم ، تفقدهم قيمة الوفاء للوطن، وتجعلهم يعيشون في بلدانهم بأجسادهم فقط ، بينما وجدانهم في بلدان أخرى ، هي في أقصى شرق الدنيا وفي أقصى غربها ، السلوك الذي لايمكن أن يحدث مع الغربيين الذين لا يتجمهرون مشاهدة حادث مروري ، أو حريق ، أو انهيار مبنى ، لأن المسألة عندهم مسألة تربية وثقافة .
*هامش:باب السمارين شُيد الباب الضخم من طرف مرينيون سنة 1244م هي واحدة من الأبواب التاريخية العملاقة بمدينة فاس، وتقع في شارع بولخصيصات، وهي التي تفصل بين حي الملاح الذي يعتبر أقدم حي يهودي بالمغرب، ووزنقة فاس الجديد التي تنشط فيها التجارة بشكل كبير.