adsense

2020/05/29 - 8:21 م


بقلم الأستاذ حميد طولست
يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله ، و يبقى ذكراهم على الأرض ، حية قوية ، ونورا ساطعا يهدي ، وعطرا فواحا  ينعش ، وآثارا مشهودة تنفع ، وأعمالا جليلة تُحتذى ، وأفكارا نيرة يُهتدى بها ، وتلك هي العظمة ، وذاك هو الخلود ، وذانك هو ما يخلفه العظماء من أمجاد يُعتز ويُفخر بها ، كما قال الشاعر:
المرء بعد الموت أحدوثة … يفنى وتبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ          تطيب بعد الموت أخبــــــــاره
غادرنا آخر الوطنين العظام والمناضلين الكبار ، رحل السي عبد الرحمان اليوسفي قبل أن تكتحل عيناه بما كان يتمناه لهذا الوطن ، الذي كان من أكبر رجالاته ، رحل قبل أن يتحقق ما صبا إليه ورغب فيه له ، من ديمقراطية حقة في زمن باتت فيه الخيانة عبارة عن وجهة نظر لدى البعض ، وأصبح فيه التنازل عن المبادئ تعبيرا عن حسن النوايا والرغبة في تحقيق التوافق ....
لقد ترجل المواطن الاستثنائي ، والوطني الاستثنائي ، والمناضل الاستثنائي والحزبي الاستثنائي ، والسياسي الاستثنائي من على فرس النضال في وقت ما زلنا بأشد الحاجة إليك ،  خاصة أن الاستثنائيين أمثالك قليلون ولا يعوضون ..
ولا أخال نفسي مسرفاً إن اشتهيت أن يتذوقَ الناس وسامة أوصافك ، وصدق أقوالك ، وتميز أفعالك ، حتى يعلموا مقدار ما خسرت الحزبية من مناقب النضال ، وليعرفوا ما فقده الوطن بفقدكم من ذاكرة وطنية ، جديرة بالاحترام والتقير ، وما خسره الذين عرفوك عن قرب وتعلموا الكثير أثناء مزاملتهم لك ، وشرفوا بتسجيل أسمائهم معك في سجل وأصداء نضالاتك التي تستحق منا جميعا أن نؤلف فيها وعنها كتبا ترصد وتتحدث عن مسيراتك النضالية ، التي تستحق عليها وعن جدارة ، أن يقام لك تماثيل ، تليق بنضالاتك وتضحياتك ، في رحاب كل مقرات حزب الاتحاد الاشتراكي وفي مدخل مقر البرلمان  .
عزاؤنا في رحيلك أيها المناضل الصلب الذي خسرت الحزبية الحقة والصحافة الديمقراطية بوفاتك أحد أبرز عناصر النقاء الثوري ، هو فيما ادخرت عند ربك مما قدمت يداك من باقيات النضال من اجل المستضعفين ، وصالحات الدفاع عن المغتصب حقوقهم ، الذين كنت لهم صوتا صارخا بأوجاعِهم ولواعجهم ، تسأل وتشكو وتحرض ، تلوم وتلسع بكلمِ نافذ عبقري لا يتوقف عن فتح كوات الأمل والتبصير بواقع الحال العصيب ، وأعظم عزاء لنا فيك هو التزام أصدقاؤك ومحبوك السير على خطاك وانتهاج وتكريس أفكارك وممارساتك وسلوكياتك  التي تدفع بي لأقول في حقك ، بعد قول رب العالمين الذي : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي" ، أنك تركت برحيلك فراغا في النقاء والزهد والوفاء والتواضع والالتزام من الصعب أن يملأه غيرك بعدك ، لقد خسرناك بحق ومن الصعب تعويضك
و لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..