adsense

2020/05/26 - 12:06 م

بقلم عبد الحي الرايس
فلا عُذْرَ له في أن يتكتَّم، وبالرأي لا يَجْهَر، وما أحْوَجَ الأمَّة إلى رَأْيٍ مُستنير، يَمْحَضُ النُّصْحَ، وعن الحق لا يَحِيد.
وفي مُعْترَكِ الحياة، أنتَ واجِدٌ المُواطنَ العادي، والمُسْتثمرَ المالي، والمناضلَ السياسي، والمُمارسَ الْمِهْنِي، والباحثَ الْمُتقصِّي، وفي الآن ذاته الْمُثقَّفَ الْمُترافعَ المُتقاضي، وهي صفة لا تتأتى لِمُطْلَقِ من حملوا الشهادات، وتزيَّنُوا بالألقاب، وتكادُ تكون مَقْصُورةً على من حَصَّلُوا عِلماً، وأفادُوا خبرة، وأنْضجُوا رَأياً، واسْتنارُوا بتجاربِ الحياة، وصارتْ لهم قضية ينافحون عنها، ورُؤيَة يستقيمُ بها التدْبير، تسْمُو عن التطلع إلى المواقع، أو الطمع في تحصيل المغانم.
وهذا ما يُعْطِي للثقافةِ والمثقفِ قيمةً ومَعْنى، فهي ليْستْ تحصيلاً للعلوم والمعارف وكفى، وإنما هي استثمارٌ لكل ذلك، وتجاوزُهُ إلى استخلاص عِبْرةٍ وحكمة، واستشرافِ ما يترتبُ عن كل اختيارٍ ووِجْهَة ، وهذا أيضاً ما ينْسجمُ ويتساوقُ مع من ذهب إلى أن الثقافة هي ما يتبقَّى لك بعد أن تكونَ قد نَسِيتَ كلَّ شيْء، وأنها أيضا لا تنْحصرُ في مجالِ تخصُّصٍ ضيِّقٍ مَحدود، وإنما هي تَمَرُّسٌ باختصاص، وانفتاحٌ على أكثرَ من مجال، في سَعْيٍ دَؤُوب  لاِسْتكناهِ أسْرارِ الوجود، والتبصُّرِ بما تؤولُ إليه الأمور ، في تدبير شؤون الحياة، وتقرير مصائر الناس.
ومن ثم يَصِيرُ لزاماً على المثقف أن يَصْدَعَ بالرأي، ولا يتردَّدَ في تمحيص الممارسات، وتقييم الاختيارات، والتبصير بالعواقب والتبِعات، ليطرح قَوِيمَ البدائل، وسَلِيمَ التوجُّهات.
ويصيرُ على الأمَّة أن تُصْغِيَ إلى رَأي مُثقفيها في إطار من الحكامةِ الجيدةِ المسؤولة، التي تستحضر جميع الفاعلين، وتأخذُ بالرأي الأقْوَم  للمُتنادين، تجنباً لِشَرَهِ المُنْتفعين، وذاتيةِ المقرٍّرين.
ومتى دَقَّتْ ساعةُ الاختيار، تأكَّد أنْ لا عُذْرَ للمثقف في أن يتوارَى، ويُحْجِمَ عن إبداءِ الرأيِ، بِحُجَّةِ أنْ "لاَ رَأْيَ لِمَنْ لا يُطاع".....