بقلم الأستاذ حميد
طولست
من العبارات المؤججة
لمشاعر التصافي والتساند والمواساة ، التي غزت لغة التخاطب في مجمل الأقطار والشعوب
، والمغرب من بينها ، في زمن كورونا ، عبارات
التعايش والتكاتف والتعاضد والتآزر والتسامح، والتعاون والمساعدة - التي ظن أنها نُسيّت أو تجوهلت في العلاقات الاجتماعية ، في ظل الانشغال
بأمور الحياة اليومية- التي أجبرنا التباعد
الاجتماعي والحجر الصحي ، على استرجاع مترادفاتها الدّالة على التلاحم الاجتماعي ،
وإستحضار اشتقاقاتها النابعة عن الرؤية الإنسانية للرحمة والتعاطف والتضامن التطوعي
، كمسؤولية دينية وأخلاقية وواجب وطني مفروض دستوريا ، يعميق جذور الإخاء وقيم الإيثار
والعطاء والتضحية والتعاون بين الناس ويزرع الأمل في النفوس ويدفع بها نحو التحرر من
أنانياتها المزمنة ، وتكسبها مناعة طبيعية تنزع بها ، من السلوكيات المشحونة بمستويات
عالية من الفردانية ، التي تنامت تصاعديا في العقود الأخيرة ، وصارت قوانين ثقافات
، يستنفرها الجانب الحيواني الكامن في النفس البشرية ، الذي يستثيره حُبّ الذات ، ويؤججه
تضخُّم الأنا ، واستطابة المغانم ، والتَّهافت على المكاسب ، والهرولة لحصد الريع ؛ لتنتقل بها إلى دوائر التعاقد الاجتماعي الإنساني
المطبوع بثقافة التسامح والإعتدال والانفتاح الغريزي ، التي طمستها ثقافة الشخصنة والفردنة
التي أصبحت داءَ للعصر بإمتياز ، يصيب كل ممارسات
البشر وقيمهم الجوهرية الضرورية لبناء الإنسان ، ككائن اجتماعي ميال غريزيا لأن يكون
عنصرا بنيويا في بيئة توافقية ، سواء مع الأهل أو الأصدقاء أو الجيران أو مع المنظومة
المجتمعية التي لا يزيدها الغلو في تفضيل الذات -المرتبط بمفاهيم العولمة والسوق الحرة
-إلا تأزما هوياتيا ، يكرس الْمَيْز والاختلاف المسيء لمنهج الوسطية الدينة الإسلامي
التي يتحلى بها أي مسلم ، والتي ليست مجرد توفيق بين الإفراط والتفريط ، بقدر ما هي
مواقف أخلاقية وسلوكية ومنهج فكري مبني على الاعتدال والاستقامة والاستواء وغيرها من
دلالات الوسطية العادلة ، التي هي من أهمّ الصفات التي أرادها الله لعبده مصداقا لقوله
سبحانه وتعالى:"وكذلك جعلناكم أمة وسطا" الأمر الذي تؤكده الحكمة الشائعة
أو الحديث :"خير الأمور أوسطها" أي أفضلها وأنفعها للناس في كل أمور حياتهم
الخاصة والعامة المتعلق بالتعامل الإنساني فيما بينهم ، والذي لن يستقيم في حال بقيت
تلك مصطلحات التصافي والوئام والتساند والتعاضد ، حبرا على الورق ، كما يقال ، ولا
يرجى منها غير إبقاءها حية في الأذهان ، كتراث فكري والثقافي ، دون أن تحويل لفعل مؤثرة
في قراءة الحاضر والتخطيط للمستقبل وترتيب أولوياته ، والبحث له عن نموذج نظام اجتماعي
أفضل من النظام الاجتماعي الكارثي القائم قبل كورونا ، والذي لم يستطع تحقيق أي تغيير
أو إصلاح ، ولم يقدر على إنجاز أي نجاح أو تميز أو إبداع ، يخرج الناس من دائرة الفقر
والتبعية والتخلف والتجهيل اللامرئي والمهندس له من طرف الذين لا يراعون حقوق الناس
، ولا يقيمون للمصلحة العامة أي وزن ، فعلا كان تدفق تلك المصطلحات بهذه الغزارة من
أجل إعادة احياء قيم الإيثار والتضامن والتعاون على أرض الواقع ا ؟ أم كان لمجرد تأثيث
اللغة وتزويق الكلام؟.