adsense

2020/05/13 - 7:08 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
من العبارات المؤججة لمشاعر التصافي والتساند والمواساة ، التي غزت لغة التخاطب في مجمل الأقطار والشعوب ، والمغرب من بينها ، في زمن كورونا  ، عبارات التعايش والتكاتف والتعاضد والتآزر والتسامح، والتعاون والمساعدة - التي ظن أنها نُسيّت  أو تجوهلت في العلاقات الاجتماعية ، في ظل الانشغال بأمور الحياة اليومية- التي  أجبرنا التباعد الاجتماعي والحجر الصحي ، على استرجاع مترادفاتها الدّالة على التلاحم الاجتماعي ، وإستحضار اشتقاقاتها النابعة عن الرؤية الإنسانية للرحمة والتعاطف والتضامن التطوعي ، كمسؤولية دينية وأخلاقية وواجب وطني مفروض دستوريا ، يعميق جذور الإخاء وقيم الإيثار والعطاء والتضحية والتعاون بين الناس ويزرع الأمل في النفوس ويدفع بها نحو التحرر من أنانياتها المزمنة ، وتكسبها مناعة طبيعية تنزع بها ، من السلوكيات المشحونة بمستويات عالية من الفردانية ، التي تنامت تصاعديا في العقود الأخيرة ، وصارت قوانين ثقافات ، يستنفرها الجانب الحيواني الكامن في النفس البشرية ، الذي يستثيره حُبّ الذات ، ويؤججه تضخُّم الأنا ، واستطابة المغانم ، والتَّهافت على المكاسب ، والهرولة لحصد الريع  ؛ لتنتقل بها إلى دوائر التعاقد الاجتماعي الإنساني المطبوع بثقافة التسامح والإعتدال والانفتاح الغريزي ، التي طمستها ثقافة الشخصنة والفردنة التي أصبحت  داءَ للعصر بإمتياز ، يصيب كل ممارسات البشر وقيمهم الجوهرية الضرورية لبناء الإنسان ، ككائن اجتماعي ميال غريزيا لأن يكون عنصرا بنيويا في بيئة توافقية ، سواء مع الأهل أو الأصدقاء أو الجيران أو مع المنظومة المجتمعية التي لا يزيدها الغلو في تفضيل الذات -المرتبط بمفاهيم العولمة والسوق الحرة -إلا تأزما هوياتيا ، يكرس الْمَيْز والاختلاف المسيء لمنهج الوسطية الدينة الإسلامي التي يتحلى بها أي مسلم ، والتي ليست مجرد توفيق بين الإفراط والتفريط ، بقدر ما هي مواقف أخلاقية وسلوكية ومنهج فكري مبني على الاعتدال والاستقامة والاستواء وغيرها من دلالات الوسطية العادلة ، التي هي من أهمّ الصفات التي أرادها الله لعبده مصداقا لقوله سبحانه وتعالى:"وكذلك جعلناكم أمة وسطا" الأمر الذي تؤكده الحكمة الشائعة أو الحديث :"خير الأمور أوسطها" أي أفضلها وأنفعها للناس في كل أمور حياتهم الخاصة والعامة المتعلق بالتعامل الإنساني فيما بينهم ، والذي لن يستقيم في حال بقيت تلك مصطلحات التصافي والوئام والتساند والتعاضد ، حبرا على الورق ، كما يقال ، ولا يرجى منها غير إبقاءها حية في الأذهان ، كتراث فكري والثقافي ، دون أن تحويل لفعل مؤثرة في قراءة الحاضر والتخطيط للمستقبل وترتيب أولوياته ، والبحث له عن نموذج نظام اجتماعي أفضل من النظام الاجتماعي الكارثي القائم قبل كورونا ، والذي لم يستطع تحقيق أي تغيير أو إصلاح ، ولم يقدر على إنجاز أي نجاح أو تميز أو إبداع ، يخرج الناس من دائرة الفقر والتبعية والتخلف والتجهيل اللامرئي والمهندس له من طرف الذين لا يراعون حقوق الناس ، ولا يقيمون للمصلحة العامة أي وزن ، فعلا كان تدفق تلك المصطلحات بهذه الغزارة من أجل إعادة احياء قيم الإيثار والتضامن والتعاون على أرض الواقع ا ؟ أم كان لمجرد تأثيث اللغة وتزويق الكلام؟.