adsense

2018/07/15 - 11:34 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
كم كانت غبائي شديدة، حين توهمت في صغري أن الزمان عادل ، وكم كانت سذاجتي عظيمة حين إعتقدت أن كل الناس أنقياء وأني سأرتاح معهم وأفرح في كبري بحياة كلها ربيع مزهر ، لا تتناوب علي فيها الفصول العجاف ، ولا تتلفحني خلالها الخيبات وتطبع على وجهي ملامح بصماتها ، ولا تتيبس أثناءها أحلامي وتنكسر طموحاتي وآمالي ، ولا يتكدس بدواخلي الحُزْن واليأس المؤدي ، لكل أنواع الإحباط والتذمّر من الحياة والحظ ، ويدفع بي في أي لحظة جنون لا دخل لي فيها ويصعُب علي فهمها إلى توخي الرحيل قبل الرحيل ، كما قال إيليا أبو ماضي ، وإلى الرغب في الغياب حتى عن نفسي .
وكم كانت برائتي كبيرة حين فهمت ، بعد فوات الأوان ، أن لحظات البهجة والفرح لها مواعد يتحكم فيها الزمان البارع في كسر أحلام البشر ، وإحباط آمالهم ، وتلغيمها بالوجع والأحزان ، وتدجيجها باليأس والأسى الذي يجرعهم به كل يوم ، وحين عرفت أنه يتلذذ بتمزيق علائق الناس، وتحريضهم على التركيز في عيوب بعضهم ، والتغاضي عن إصلاحها .
موجع حقا ، ومؤجج للحُزْن واليأس في النفس ، أن تفطن المرء متأخرا جدا ، إلى أن من كان معجبا بصفاته وأسلوبه في الحياة ،ضحكه ومرحه وتفاؤله ، قد أصبح يكره منه طبعه الذي خلق عليه ،  وينتقد ما جبل عليه من سلوكيات لا يد له فيها ، من دون أن يكـون له في ذلك حجة أوسببا ، ولا شيء أقسى من أن يقذف الإنسان ، وفي ارتجالية غير مبررة ، بقنابل الاستخفاف القابلة للانفجار في رأسه، ويُرمى بشضايا الشماتة السريعة المتمددة بدواخل روحه ، والأقسى من كل ذاك ، تفاهة المبررات التي تدفع به إلى أقصى جنون ردات الفعل ، وتلجؤه ، في أحيان كثيرة ، إلى البكاء ، ليس ضعفًا ولا خوفا ، ولكن تعباً من طول تقمص القوة والكبرياء ، ورفض التذمر والشكوى ، والتساؤل مع الحال الذات وانشطارها بقسوة لفترة طويلة من الزمان ، بين ألم الشوق وأكداس الخيبات الجاثمة على القلب ، وبين عدم الرغبة في الانتقام من أشخاص طالما وثق بِهم ، المسترخية في ممرات روحه .
ما أصعب أن تصنُع عدم الاهتمام بمن يقابل نظرة الحب والعشق والنجوى بنظرته إليك بعين واحدة ، لكنه من السهل أن تطـلـق قهقهة طـويـلـة ولو في دواخلك ،لأنها تريحك ..