adsense

2021/10/30 - 12:35 ص

بقلم ابراهيم فارح
هي واحدة من الإشكاليات الكبرى التي تعيشها فئة من الفتيات، قدرهن أن يكن نزيلات في إحدى دور الرعاية، هؤلاء نساء الغد لا سبيل أمامهن أو لهن إلا أنفسهن، بعضهن من رماهم الأهل وغابوا في دروب الحياة، ومنهن من بلا أهل.
في إحدى الزقاقات المتفرعة عن شارع محمد الخامس، بالرباط قرب حديقة حسان، تجد الكثيرات منهن، يبتن في العراء، في أغلب الأحيان بلا طعام.
اقتربت من إحداهن وسألتها لماذا لا تتوجهين إلى دار من الدور المخصصة لمثل حالتكن، على الأقل سيتوفر لكن المأوى والمأكل.فكان جوابها صدمة حين قالت نادية: "لقد قررت الفرار من دار للرعاية بعد أن بلغت السابعة عشرة من العمر، مادام أن الدار ستطردني بعد عام فلم لا أختبر دروب الحياة قبل ذلك.؟"
هذه الواقعة قادتني إلى البحث عن بيانات تكون وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، أو جهات غير حكومية، قد أنجزتها عن  مصير هؤلاء الفتيات بعد تخرجهن أو إخراجهم من الدور عند بلوغ سن الثامنة عشر، فلم أجد إلا نتفا هنا وهناك تتحدث عن بعض النماذج التي استطاعت أن تشق الطريق الصعب وتصل إلى النجاح.
منى إحدى الفتيات، كانت نزيلة دار للرعاية بتمارة تقول: "لما جاءني الخبر أني ملزمة بمغادرة الدار كان معي 130 درهم، هكذا وبدون مقدمات وجدت نفسي في الشارع أواجه تلاوين الحياة الصعبة، جوع وضرب ومحاولات اغتصاب، حتى تقاذفتي الأقدار إلى مدينة فاس حيث عملت عند أحد معلمي الفخار، حيث سمح لي باتخاذ جزء من المشغل مكانا أبيت فيه."
وربما أغلب خريجات دور الرعاية تتشابه مصائرهن، فحتى اللواتي استطعن أن يبلغن مدرجات الجامعة يجدن صعوبة في الإندماج مع باقي الطالبات والطلبة، فأغلبهن يرفضن البوح لباقي الزميلات أو الأساتذة بأنهن قضين مسافات عمرهن الماضي في دور رعاية الأيتام أو الطفلات المتخلى عنهن، وذلك خوفا من تلك الأوصاف الجاهزة التي تطلق على هذه الفئة، فمجتمعنا مهما بلغ من الإنفتاح والتقبل، تظل تلك النظرة الدونية حاضرة،ويظل أغلب أفراد المجتمع يعاملون هذه الفئة بنوع من الإقصاء والإحتقار، ويعيرونها تلميحات أو تصريحا.
كل هذه المآسي تجعل فتيات دور الرعاية يحرصن على البحث عن شريك حياة، قبل أوان المغادرة، ويأملن أن يكون هذا الحل طوق نجاة بالنسبة لهن.
وحسب بعض الشهادات، فإن كثيرا من النزيلات فضلن الزواج برجال بلغوا من العمر عتيا، وأخريات تزوجن بمن أقعدهم المرض، وحتى بذوي السوابق العدلية، كل هذا في سبيل الإنعتاق من براثن المجهول الذي ينتظرهن، غير أن مسعاهن في غالب الأحيان يخيب، وما يلبثن أن يجدن أنفسهن في الشارع بدون معيل.
هذا وسيظل الوضع على ماهو عليه مادام عمل الوزارة قاصرا عن بلوغ الكمال، لجعل هذه الفئة تنعم بالهدوء والراحة النفسية، أملا في مستقبل يحفظ الكرامة، ولعل مرد ذلك كثرة المتداخلين وغياب الرقابة والمتابعة للسلطات المحلية، وكذا انعدام وضع رؤية شمولية واستراتيجية واضحة، تجعل كل المقاربات والتصورات سهلة الضبط والتنزيل، في نطاق واسع يشمل الإدماج الإقتصادي بموازاة مع مواكبة نفسية واجتماعية مستمرة، تصل بهذه الفئة إلى بر الأمان.
ملاحظة: كل الأسماء الواردة في المقال أسماء مستعارة.