adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/07/02 - 7:05 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

رغم سجلها الدموي الحافل بالاعتداءات على المدنيين والعسكريين، يخرج علينا القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، بتصريح صادم يُخالف إرادة الوطن ويسيء إلى مشاعر آلاف الأسر المغربية التي دفعت ثمنًا باهظًا من دماء أبنائها دفاعًا عن الأرض والعَلم.

في افتتاح المؤتمر الجهوي لحزبه بجهة درعة تافيلالت يوم الأحد 29 يونيو بالرشيدية، رفض بوانو تصنيف "البوليساريو" منظمة إرهابية، مبررًا ذلك بأن في صفوفها "مغاربة مخطئين". ولولا جسامة الموقف لكان من الممكن اعتبار التصريح زلة لسان، لكن الرجل أفاض في "توضيحه" كما يقول، مُكرِّرًا ذات العبارات المُضللة التي توحي بنوع من التواطؤ الناعم مع خصوم الوطن.

إذ أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال معاملة من يرفع السلاح في وجه وطنه، ويقتل جنوده، ويهاجم ترابه، كـ"مخطئ" أو "أخ ضال". من يرتكب الجرائم ليس بحاجة إلى تبرير، بل إلى محاكمة. فالبوليساريو لم تعد مجرد حركة انفصالية، بل عصابة تتلقى الدعم من المحور المعادي (الجزائر - إيران) وتمارس الإرهاب العابر للحدود، وتنشر الفوضى وتُهدد استقرار المنطقة بأسرها.

بين الخيانة والنفاق

فالخيانة ليست رأيًا سياسيًا، بل انحرافٌ أخلاقي وسقوطٌ في مستنقع الوضاعة. هي انقلاب على القيم، وتنكرٌ للإحسان، وخيانةٌ لثقة الوطن والمواطن. وقد جاء في القرآن الكريم: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" (الرحمن: 60)، فكيف يُكافأ الوطن الذي منح هؤلاء موقعًا ومنبرًا في البرلمان، بإعادة إنتاج خطابات تبريرية لأعدائه؟

الله تعالى يقول: "وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" (النساء: 105)، فهل نحتاج بعد هذا البيان الرباني أن نبحث عن تبريرات واهية تُمكِّن الخونة من ركوب منابر الإعلام والسياسة؟ أليس السكوت عن هذا التواطؤ نفاقا ، وشكلاً من أشكال الخيانة المضاعفة؟

التي يقول فيها الإمام الخوئي :"إن النفاق أشد من القتل، لأن القاتل يزهق روحًا واحدة، بينما المنافق يشعل الفتن ويؤجج الحروب وقد يزهق آلاف الأرواح. والمنافق لا يطعن من الأمام، بل من الخلف. لا يواجهك بعداءٍ واضح، بل يتسلل إلى قلاعك من الداخل، ويهدمها بأدوات التأويل والتبرير والتسويغ اللفظي".

وبوانو هنا لا يمثل رأيًا فرديًا فحسب، بل نموذجًا لما يمكن تسميته بـ"الانفصالية اللفظية"، حيث تتحول الكلمات إلى خناجر، والخطاب السياسي إلى وسيلة تشويش على الإجماع الوطني.

فكيف نقبل اليوم أن يُعاد تدوير هذا المشروع في بلادنا، عبر تحالفات رمادية، وتبريرات مغلّفة بألفاظ المصالحة والانفتاح؟

وكما يقال : الشيء بالشيء يذكر " فلا بأس ذكر درس مهم من دروس التاريخ

حيث سُئل الملك الراحل الحسن الثاني ، في لحظة مشابهة، عن رأيه في الإمام الخميني، فأجاب قاطعًا: "إذا ما قيل لي إن الإمام الخميني يجسد الإسلام، سأعلن إلحادني". لم تكن تلك عبارة غضب عابر، بل إعلان مبدئي ضد مشروع ديني/سياسي يرى في الدين وسيلة لفرض سلطة فقهية على الشعوب. وقد وصف الملك بحدة مشروع إيران بأنه "تعفّن وتسمّم" سياسي وأخلاقي.

الخيانة لا تحتاج إلى إثباتات جنائية، يكفي أن تسمع نبرة التخاذل في صوت سياسي ما، أو تقرأ تبريرًا مشينًا على لسان نائب منتخب، لتدرك أن الوطن، في بعض أروقته السياسية، أصبح مستباحًا لغدر الأقنعة.

الوطن لا يخون، ولكن يُخان. ومشكلة الخونة أنهم لا يتركون بصماتهم على أيديهم، بل على وجدان الأمة. كل من يبرر للعدو، أو يخفف من وقع أفعاله، أو يعيد تأهيل صورته، يُسهِم في خيانة جماعية ضد الشهداء والمرابطين على الثغور، وضد كل مغربي دفع ثمنًا من أجل أن يظل هذا الوطن موحدًا وآمنًا.