القلم الحر
منذ أن تولى حزب التجمع الوطني للأحرار
مقاليد الحكم، لم ينفك يردد كلمة "الاجتماعية" وكأنها تعويذة سحرية تبرر
كل إخفاقاته؛ لكن الواقع المرير يكشف زيف هذه الادعاءات، خاصة عندما يتعلق الأمر
بالفئات الأكثر هشاشة في مجتمعنا، فما قيمة هذه "الاجتماعية" المزعومة
عندما نرى كبار السن من المتقاعدين يعيشون في بؤس مدقع بعد أن أفنوا زهرة عمرهم في
خدمة هذا البلد؟.
إنها لمأساة حقيقية أن ينتهي المطاف
بجيل كامل من العمال والموظفين، سواء في القطاع العام أو الخاص، إلى معاشات هزيلة
لا تتجاوز 700 درهم في الشهر، والأمر الأكثر إيلاما أن بعض أرامل المتقاعدين لا
يتلقين سوى 200 درهم شهرياً، وهو مبلغ لا يكفي حتى لشراء الأدوية الأساسية، أين هي
العدالة الاجتماعية في دولة تترك من بنوا مؤسساتها ودفعوا ضرائبهم طوال عقود
يعانون الفقر والإهانة في شيخوختهم؟.
لا تقتصر مآسي هذه الحكومة
"الاجتماعية" على معاشات المتقاعدين الهزيلة؛ بل تمتد إلى سياساتها
الاقتصادية المدمرة التي تثقل كاهل المواطنين.
فالحكومة التي تتباهى بإنجازاتها هي
نفسها التي رفعت أسعار المحروقات حتى أصبح التنقل رفاهية، وزادت سعر قارورة الغاز
فجعلت الطبخ مشقة يومية، وألهبت أسعار المواد الأساسية، بينما تظل الأجور
والمعاشات جامدة.
وهي الحكومة التي تتجاهل عمدا مطالب
النقابات بزيادة معاشات المتقاعدين، رغم أن هذا أقل ما يمكن تقديره لمن خدموا الوطن.
إن ما يحدث للمتقاعدين في بلادنا ليس
مجرد إهمالا عابرا؛ بل هو سياسة ممنهجة للإذلال المنظم، فبعد عمر طويل من العمل
والعطاء، يُجبر كبار السن على الاستجداء أمام الجمعيات أو أبنائهم لتأمين أدويتهم،
ويعيشون على هامش المجتمع؛ بينما تتنعم الطبقة السياسية بامتيازات لا حدود لها،
إنها صورة قاتمة لمجتمع ينسى من بنوه ويذل من ربوه.
إذا كانت هذه الحكومة حقا
"اجتماعية" كما تدعي، فلماذا لا تبدأ بخطوات ملموسة تثبت مصداقيتها؟،
لماذا لا ترفع المعاشات إلى مستوى يحفظ كرامة الإنسان؟، ولماذا لا تعيد هيكلة نظام
التقاعد لضمان حياة كريمة للمسنين؟، ولماذا تتجاهل مطالب النقابات التي تمثل صوت
العمال والموظفين؟.
الحقيقة المرة، هي أن
"الاجتماعية" في قاموس هذه الحكومة ليست سوى شعار أجوف، ترفعه كلما
أرادت تضليل الشعب، إن المتقاعدين في بلادنا ليسوا مجرد أرقام في الإحصائيات؛ بل
هم بشر يستحقون العيش بكرامة، خاصة بعد أن قدموا زهرة عمرهم لخدمة وطن ينساهم
بمجرد أن يتوقفوا عن الإنتاج.
إلى متى سيستمر هذا الاستهتار بكرامة
من بنوا صروح هذا البلد؟، وإلى متى سنظل نسمع خطابات "الاجتماعية"؛
بينما الواقع يشهد على سياسات تقتل الكرامة الإنسانية؟.
أسئلة تبقى معلقةً، والجواب يعرفه كل
من له ضمير حي، وقلب ينبض بالإنسانية.