adsense

2018/06/02 - 4:40 م

بقلم الأستاذ عبد الحي الرايس
مَرَّتِ الشعوبُ بتجاربَ كان فيها تجاذُبُ الْحَبْلِ بين الحاكمِ والمحْكُوم مَصْدرَ صراعاتٍ وحروب.
نزلت الديانات تدعو إلى التكافلِ والإنصاف، وسُنَّتِ القوانينُ تَعْدِلُ بين الناس، ومع ذلك سادتِ التجاوزات، وكلما هَبَّ فريقٌ مُطالباً سُلِّط عليه القمعُ زاجراً، وصارتِ الفتنُ لا تكادُ تخبو حتى تعودَ لتتأجج، فإذا شب حريقها وانتشر لهيبها أتت على الأخضر واليابس، فلا يُجدي معها زجرٌ ولا تطمين، وكثيراً ما تجاوزَ الأمرُ حدودَ الْقُطْرِ إلى التدْويل.
وتحت شعار التفاضل في الأرزاق، أمعن البعضُ في الإثراء، من رِيعٍ وامتياز، لا من كَدٍّ وعَناء، وظل الكثيرون من الفاقةِ يُعانون، لِسَكَنٍ غيرِ لائقٍ يَأْوُون، ووراءَ لُقمةِ العيش يلهثون، وغيرُهم للأرض  يفترشون، والسماءَ يلتحفون.
منَ الْمِحَنِ والإحن، ومن العثراتِ والفتن، استُخلصتِ الدروسُ والْعِبَر، وتمايزتِ التجاربُ في المعمورِ بين الأمم:
فأعلن بعضُها سيادة القانون، وخططتْ لاستدامةِ النماءِ وتأهيل الإنسان، نافستْ غيرها وتجاوزتْ ذاتها، وصارَ التفاضلُ لديْها  بالجد والعمل، لا بالريع والكسل، فجنَتْ من ذلك عَدْلاً واستقراراً، وسِيَادةً ونماءً.
وظلت أممٌ تتجاهلُ واقعها، وتُمنِّي النفسَ بِانْصِلاحٍ آتٍ لِحالها، دون قَطْعٍ مع الريع، ولا بَتٍّ في اختياراتِ البناءِ والتأهيل، فتقلبتْ أحوالها، وتأرجحتْ بين هدوءٍ وغليان.
وحين يُشْفِقُ شعبٌ من الفتنة الصاخبة، ويختارُ المطالبة الهادئة، ولو على حساب البطون الجائعة، يُفترضُ في الحاكمين أن يُقاسموهُ إشفاقاً بإشفاق، ويستلهموا الحكمة الهادية،  لِيُعِيدُوا النظرَ في الاختياراتِ البانية، ويُفعِّلوا الحكامةَ الْمُصحِّحةَ الهادفة ، قَطْعاً مع الرِّيع، وتحقيقاً لتكافؤ الفرصِ - وفق المؤهلات - في الصحةِ والشغلِ والتعليم، وتجاوزاً لواقعٍ يُفرزُ العثرات، ويَحُولُ دونَ سيادةِ العدلِ واطِّرَادِ النماء.