adsense

2018/06/03 - 12:15 ص

بقلم الأستاذ علي أبو رابعة
كثيراً ما تردد على مسامعنا جملة : ماذا إستفادنا من التاريخ ؟!.. وما حصاد دراسة التاريخ ؟! ..وقليلاً ما رُفِعَ آذانُ أنْ تمسكواْ بتاريخكم ! ..بل نرى السائد آذان أنْ أريحواْ عقولكم من الجدال فى التاريخ ؛لأنّه لا فائدة منه ..والعجيبُ أنّ السائل لا يعرفُ التاريخَ.. لا يقرأُ العلمَ.. والأمرُ الأعجبُ أنّ المَسْئولُ لا يملكُ إجابةً ،يقفُ ساكتاً بحُبْسَة صوتية ،سيان أنّه ذو علمٍ !.
إنّ دراسة التاريخ أمرٌ مُهِمٌّ للغاية بالنسبة لدراسة كلّ العلوم ..وتطوير تلك العلوم يتوقف على دراسة تاريخها ،وما توّصل إليه السابقون فى تلك العلوم .
مثلاً بالنسبة للعلوم الرياضية ، طاليس أحد الحكماء السبعة عند اليونان ، أوّل من استخدم اسلوب التحليل البرهاني فى الهندسة الرياضية ووضع مبرهنة المثلث في الدائرة ..من المؤكد إستفادة فيثاغورث من ذلك التحليل الهندسي الرياضي الخاص بطاليس ..
تذكيراً نظرية فيثاغورث استفاد الكثيرُ من المهندسين في العصر الحاضر من هذه النظرية في عملية بناء الأراضي ،وكل الرياضيات المعاصرة بصفة عامة حالياً جذورها من تاريخ قبل الميلاد . .مع وجود بعض الطفرات الطفيفة عليها !
وعلى الطرف البعيد يقف جنديٌّ خفيٌّ يتمثل فى "بردية رند الرياضية"
 هى أوّل وثيقة هندسية رياضية تعود الى الحضارة المصرية الفرعونية ،فقد حفظت للمصريين المعابد والمقابر وثائق تكفي لتجميع صورة واضحة عن طرق وأساليب علوم الرياضيات لدى المصريين القدماء ، وتعدّ بردية ريند من أوسع هذه الوثائق شمولاً. ولا تتناول البردية أطروحة نظرية، بل تستعرض قائمة من المسائل العملية التي تواجه الناس في مختلف مجالات الإدارة والبناء،  حيث تُغطى حل المشكلات العملية، وحساب الأشكال الهندسية.
وبالنسبة لعلم الإقتصاد، لولا إشتراكية السوفييت ما حلّ كينز مشكلة الكساد العظيم –الخميس الاسود- ..حيث السوفييت متشددين جداً فى المذهب الاقتصادى الاشتراكى لكن كينز أخذه عنهم ويسر كثيراً وعدّل وأضاف الى بعض البنود .
فدراسة التاريخ يُساعد على حلّ المشاكل المعاصرة ،ويُساعد فى الحفاظ على الهوية ..فمثلاً المصريون القدامى ما أصاب حضارتهم بالضعف هو إحتلال الهكسوس للاراضى المصرية ..وبعدما أزاحهم الملك أحمس الاول عن مصر قرر المصريون دراسة الماضى لمعرفة نقاط الضعف ،ومحاولة محوها، حيث تغيير إستراتيجية الجيش من الدفاع إلى الهجوم ،واهتمواْ كثيراً بالجيش وعرفواْ أهميته   وقيمته ،فإفتعلواْ إمبراطورية مصرية من الأناضول شمالاً إلى منطقة القرن الإفريقى جنوباً ومن العراق شرقاً الى ليبيا غرباً ..نظراً لأنهم أحسواْ الخطر من الجيران ..فلم يُريدواْ أنْ يُكَرِّرُواْ أخطاء الماضى !
لعلّ الفلسطينين هم أوّل الناس إدراكاً –اليوم- بأهمية التاريخ فى تحديد الهوية حيث لو كانواْ مهتمين به وداعمين له ،ما كانت الحركات الصهيونية بقيادة هرتزل من تبريرٍ للدخول إلى أراضيهم قد نجحت ..ولعلّ الذى أثر فى ذلك إحتلال بريطانيا لفلسطين قبيل وضع البذرة الاولى لليهود بوعد بلفور عام 1917م  حيث كبت ذلك أنفاس الفلسطينين علمياً وثقافياً وحضارياً ..!
بالطبع البلدان المحتلّة لا هوية لها ؛لظهور ثقافات دخيلة  على تلك البلدان وحدوث خلط بين اللغات والعلوم والفنون والمعتقدات ،فمن شدّة التخبّط والتَّخْلِيط سيخضع كلّ شيء للدخيل بكل تأكيد ..!    
فهذه هى الدولة العثمانية التى احتلت مصر قرابة ثلاثة قرون ،كانت تجبر المصريين على تعلم اللغة التركية كلغة رسمية وكانت تنقل العلوم والفنون من مصر الى دولتها بالاستانة وكانت تُفرض عليهم عاداتهم وتقاليدهم الارناؤوطية
فتأخرت مصر ولم تعرف هويتها فى هذه الفترة فكان من الواجب على مصر بعد ازاحة حكم آل عثمان ومن بعده آل محمد على أن تتجه لدراسة تاريخ مصر الفرعونية الحديثة وتبدأ فى إحداث طفرات في تلك العلوم لتكون الهوية العلمية مصرية وتكون المحافظة على الثقافة المصرية كذلك فالدراسة الاركيولوجية مهمة حد الحياة لكل الشعوب !
فالسائل لماذا ندرسُ التاريخ ؟! عليه أنْ يعلم أنْ كل ما بين يديه من علوم ذى جذور تاريخية ..أنّ لولا الاستفادة منه لما حدثت طفرات فى العلوم تدفع البشرية لغزو السماء ..! وأنّ لولا التاريخ لضاعت هوية الامم وسقطت أهليتها الدولية وأصبحت مُبَاحة لكل طامعٍ  إمبرياليّ .