adsense

2018/05/10 - 9:19 م


بقلم عبد الحي الرايس

أَيّاً كانتِ اللغة..... ألاَّ يَسْتسْلمُوا، ولا يَرْفعُوا الرايةَ البيْضاء.
يقولون : إنَّ العصرَ عَصْرُ سرعة، ولمْ يَعُدْ في وُسْعِ غيْرِ اللُّغَوي أن يتقصَّى القواعد، أو يُدققَ البحثَ في المعاجم.
ويُرْدِفُون: يكفي أن يتحدَّثَ المرْءُ، أو يكتبَ بلغة العصر، ويُوصِلَ الفكرةَ إلى الْغَير، ولا داعي لأنْ يُعَنِّيَ نفسَهُ بضبط قواعد الصرف والنحو والإملاء .
ولو ساد هذا المنْطقُ لَعَمَّ اللَّحْنُ، وانتشرَ الْخَطأ، ولَآلَتِ اللُّغةُ إلى ضياعٍ وانْقراض.
ويكفي أن نَذْكُرَ أنَّ الناسَ إلى عهدٍ غيْر بعيد، كانوا ـ على اختلافِ مِهَنِهِمْ وتخَصُّصاتهم ـ يتزوَّدونَ بأوَّلياتِ القواعد، ويدْأبون على تلمُّسِ الصواب، سليقةً وإصغاءً واسْترشاداً، إلى أنْ يُدْرَجُوا في عِدَادِ الفصحاء، فكان منهم الطبيبُ الشاعر، والإعلاميُّ الأديب، والتاجرُ الزجال، والْحِرَفِيُّ رائدُ المسرح، ببديعِ القوْلِ وبليغِ الاِرْتجال.
وحتى لو سَلَّمنا بإكراهاتِ العصر، لقلنا : إنَّ بمُكْنةِ كُلِّ أنْ يُحَمِّلَ هاتفه مُعْجماً يسْتشيرهُ كلما الْتَبَسَ عليه لفظٌ أو معنى.
وخيرُ الزادِ قرآنٌ في الصدْر أو مُسجلٌ في المحمول.
ولنا أن نقول إنه ـ بالنسبة لأهل العربية ـ مرجعُ من لا مرجعَ له، ومعجمُ من لا معجم له.
وإذا كان البعدُ الديني والتعبدي في القرآن الكريم أمراً يخصُّ المخلوقَ مع خالقه.
فإن المرجعية اللغوية فيه حاضرةٌ دوْماً وَمُسعفة:
عندما رَدَّدُوا الخوْصصة، لم نجِدْ في القرآن غير الزلْزلة والعسْعسَة والحصْحصة
وعندما دأبوا على التلفظ بألعاب القوى مكسورة القاف ذكَّرناهم بقوله تعالى:"إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القُوى " بضم القاف لا بكسرها.
وحين يتحدثون عن عدوة سلا والرباط، وعدوة الأندلس والقرويين بفتح العين، نستحضر قوله تعالى:"إذ أنتم بالعُدوة الدنيا، وهم بالعُدوة القصوى " بضم العين لا بفتحها.
وقس على ذلك الكثير.
ويبقى على أهل اللغة أن يُبَسِّطوا ما أمْكَنَ التبسيط: رأيتُ الكثيرين كُلَّما كتبوا : استثماراً أو امتحاناً أو اجتماعا أو اقتصاداً ألصقوا بها همزة قطع، فقلت: دون الدخول في أوزان الفعل وعدد حروفه: ارجعوا إلى الماضي ، إن كانت به همزة قطع أثبتوها في المصدر:أكرم إكرام، أقنع إقناع، أشاد إشادة، وإن غابت في الماضي فغيِّبُوها في المصدر: اقتبس اقتباس، استقبل استقبال..
ولعل فصل الخطاب فيما بين الخطإ والصواب :
أن الاستهانة بضوابط اللغة تُفْضي إلى تكريس اللحن وتفاقم الأخطاء.
وأن الولع والاهتمام، يضمنُ سلامة اللغة، ويُنضِجُ البيانَ وفصاحة اللسان.