adsense

2020/10/02 - 12:38 م


بقلم الأستاذ عبد الغني  فرحتي

بعد الانقطاع عن الدراسة، وبعد تنقلي بين العديد من الحرف، وجدت نفسي أشتغل ككسال في إحدى الحمامات التقليدية. أيامي كنت أقضيها " في الطاسة والزبوط" كما يحلو للبعض أن يقول مازحا عن حرفة الكسال. أكتري غرفة مع الجيران في بيت عتيق بالمدينة القديمة. تزوجت ورزقت بطفلين، البكر منهما يدرس بالإعدادي. ورغم صعوبة العيش و ارتفاع تكاليف الحياة، كنا نعيش حياة عادية مستورة. غير أن كل شيء سيتغير وستنقلب حياتنا رأسا على عقب بفعل انتشار كورونا وما فرضته حجر صحي كامل.

كنا نأمل أن تكون الجائحة عابرة ومجرد غيوم ستتبدد سريعا ليعود الوضع إلى الحالة الطبيعية، لكن هيهات، هيهات. نحن على أبواب الشهر السابع والحمامات مغلقة. شهور مرت ومرت معه مناسبات (رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى والدخول المدرسي ..) فرضت علي  أن أبيع من متاعنا كل ما يمكن أن يجلب دراهم معدودات.

خفت تدابير الحجر الصحي، لكن بمدينتنا، لا تزال الحمامات مغلقة. كرهت البيت واشتقت إلى " الزبوط" طلبا للرزق. أحيانا أغادر البيت في الصباح الباكر وأقطع مسافات طويلة تائها بحثا عن المجهول. خفت من نسيان حرفتي. فكنت كلما مررت بجانب ساقية توجد عند مدخل المدينة، " ألقي القبض" على كلب من الكلاب الضالة وأتولى " تغسيله " مستعملا الكيس والصابون، فلحرفتي تقنيات وإذا لم أمارسها ربما فقدتها مع استمرار الحجر.

مع الأيام، كثر "زبنائي" ولم أعد أنا الذي أمسك بالكلاب، بل أصبحت هي، كلما رمقتني أمر بجانب الساقية، تهرول نحوي وتتمسح بي طلبا للتكسيلة. كانت علامات الارتياح التي تظهر على الكلاب بعد " التحميمة " تمنحني الطاقة على مواجهة هذا الواقع العنيد الذي طال أمده.

تصورا، قرابة سبعة أشهر بلا مدخول ولا عمل. لكم أن تتخيلوا كيف أتمكن من البقاء ومن توفير الحاجيات الضرورية للعيش ولضمان استمرار التمدرس لطفلي. فمتى تعود للحمامات حرارتها؟ متى يتيسر لي مرة أخرى الاستمتاع " بالطاسة والزبوط"؟

في انتظار أن يجود الغد بالأفضل، ومادام التضامن من شيمنا الغالية، أعرب عن وقوفي إلى جانب وزارة الثقافة التي بادرت إلى صرف الدعم للعديد من المتدخلين في المجال الفني والثقافي. وهذا التقدير مني لن يكون بالكلمات فقط بل سيكون بالقول والفعل. فها أنا ذا أعلن، دعما لهذا الدعم، عن عرض خدمتي وبالمجان لهؤلاء الذين استفادوا من هذا الدعم، فربما كان في " زبوطهم" بركة وفأل حسن يخرجنا من هذه المحنة.