adsense

2020/10/20 - 1:01 م

بقلم عبد الحي الرايس

في السماءِ مُثابُونَ مُتَوَّجُون، وفي الأرض مَمْدُوحُون مُمَجَّدُون.

أعمالُهم تتحدَّثُ عن سيرتهم، وبَصَمَاتُهم تُنْبِئُ عن مُرُورِهم.

تُبَاعِدُ بينهم الحِقَبُ والأزْمان، وتختلفُ بينهم النِّحَلُ والأدْيان، ولكنهم في الزُّهْد والإيثارِ مَضْرِبُ الأمثال.

حاكمٌ في عصرنا يَزْهدُ في القصْر الْمُنيف، ويُوثِرُ الإقامة في السَّكَنِ البسيط، يتخلى عن جُزءٍ كبير من راتبه، ويَهُبُّ لنجدةِ شعبه، ويُلاحِقُ مبادراته للنهوض ببلاده، وتعجيلِ نمائه.

وغيرُهُ في مِصْرٍ آخر، ذاق مرارةَ السجن سنينَ عَدَداً، فلما تنسَّمَ عبيرَ الحرية، وتسَنَّمَ مقاليدَ الحُكْم، أقام العدل، وجنح إلى السلم، وحقق التكافل، وسار ببلاده على دَرْب النماء.

وآخرُ في زمَنٍ مضى، قتَّرَ على نفسه، وأغنى بيتَ مالِ شعبه، وعمَّمَ الإنصافَ والرخاء، جاءتْهُ ابْنتُهُ باكيةً يَوْمَ العيد، أنْ ليس لها كَأتْرابِها لباسٌ جديد، فاستأذن خازنَ بيت المالِ في دَيْنٍ يُرْجِعُه من راتبهِ بعد العيد، سأله إن كنتَ تضمنُ حياتكَ فَلَكَ ما تُريد، تَراجَعَ الرجلُ مُتهيِّباً، فليس له ما يَضْمَنُ العُمْرَ المديد.

حَكَايَا تبْدُو كالأساطير، ولكنها عند التحرِّي والتحقيق، لها في مرجعياتِ التاريخ، وعلى أرض الواقع المَعِيش إثباتاتٌ تَبْعثُ على التذكير، وتسْمُو عن التلفيق.

الحياةُ تَمْضي، تزْخرُ بأطيافٍ مختلفة، ونماذجَ مُتعددة، ولِكُلٍّ امْرِئٍ من دَهْرهِ ما اقتنعَ به وتعوَّدَ عليه، ولكلٍّ حاكمٍ نامُوسُهُ الذي يَهْدِيهِ ويُرشِدُه، وطريقـُهُ الذي يختارُه ويَسْلـُكُه.

ولكنَّ بابَ التوبة يظل مفتوحاً، وقرارَ تغيير السلوك يظلٌّ مَحْمُوداً مطلُوباً.

وصَدَقَ عَزَّ من قائل:"إنك لا تهْدي من أحببْت، ولكنَّ الله يَهْدي من يشاء، وهو أعْلَمُ بالمهتدين".