adsense

2019/09/02 - 12:04 م

بقلم عبدالحي الرايس
جيل سقراط (القرن الخامس قبل الميلاد) ولِأَجيالٍ مماثلة في عهودٍ متتالية ظل السؤال: "تكلمْ حتى أراك"
تنوعتْ صِيغُه فكان منها "المرءُ بأصغريْه: قلبه ولسانه"، و"المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه"، فكانت قيمة المرء تتحددُ بأفكاره وأقواله، وقناعاته ومواقفه، وتُرْصَدُ في سلوكه ومعاملاته، فانصرف الكثيرون إلى تقويم اللسان، وتثبيتِ الْقِيَم، ونُشدان الحكمة، والتماس المعرفة، وإنتاج العلم، وتصحيح المفاهيم.
ـ وجيلِ مطلع الألفيةِ الثالثة بعد الميلاد الذي صار السؤال عند كثير من طلائعه: "دعْني أتفحَّصْكَ حتى أُقيِّمَك" أيُّ ساعة بيدك؟ أيُّ نظارة على عينيك؟ وأي قميص وبذلة وقبعةٍ وجزْمة؟ أيَّ بيتٍ تسكن، وأيَّ سيارة تمتطي، فالمظهرُ قبل الْمَخْبَر، والقيمةُ تُحدِّدُ المكانة.
إنْ كان كلُّ ذلك ثميناً فأنت أصيل ٌولَدَيْكَ رصيد، وأنتَ الوجيهُ ذُو المقام الرفيع، وإنْ كان خلافَ ذلك فأنت بسيطٌ فقيرٌ تُحاكي ولا تُدَاني الْمُوسرَ النبيل.
أضحى الناسُ يُقيَّمون بمظاهرهم وأرْصِدتهم، فانطلقت المنافسةُ شرِسَةً لجمع المال والتكالب عليه، وصاروا يَرْكبون لذلك كلَّ مَرْكب، يمتطُون السياسة التماسا ًلِرِيعِ المواقع، يتحايلون في الصناعة، ويَغُشون في التجارة نشداناً للربح الوفير، والإثراءِ السريع.
وحَدَا حَدْوَهُم الجاهلُ والعاطل، فصارت الحياةُ حَلَبَةَ صراع من أجل المكاسب والمغانم، فمن أجْلها تُداسُ القيم ويُتنكَّرُ للمبادئ.
تَفَطَّنَ لذلك أقوام، فأحلُّوا البساطةَ محلَّ المباهاة، والإيثارَ محل الأثرة، والهبوب للنجدة محل الترفع عن الخدمة، وتمادى في ذلك آخرون، أفراداً ودولاً ومجموعات، فكرَّسوا التعاليَ والمباهاة، والاستغلالَ والصراعات، ولله في خلقه شؤون.
ولن تستقيمَ حياة، وتَسُودَ قيم، وترقى مجتمعات، إلا بتعبئةٍ ونكرانِ ذات، وانغمارٍ في أعمالٍ صالحةٍ تسمو عن الْمَيْز والمُفاضلات.