بقلم الأستاذ
حميد طولست
ربما يقول
قائل : وما الجديد في إثارت هذا الموضوع الذي قيل فيه الكثير حتى غدا مكشوفا لدى
عامة المجتمع قبل نخبه؟ ، فأرد بأن غايتي من ذلك ليس التكرار ، لكن التنبيه إلى أن
التعامل مع هذه الظاهرة بواقعية، ليس
تخلٍّ عن الإنسانية وقيمها ، وان تحكيم العاطفة تجاهها ، ليس في محله أبدًا ، ولا
يمكن اعتباره موقفًا إنسانيًا ، خاصة إذا علمنا أن التسول لم يعد يقتصر على
المعوزين والمحتاجين ، وتحول- في العقود القليلة الأخيرة - إلى مهنة لها قواعدها
وأمكنتها الخاصة، ومؤطروها المحترفون الذين اتخذوا من التسول مهنة قارة من أجل
الاغتناء ، ضدا في حكم الشرع الذي يحرم "سؤال الناس" على من لديه ما
يكفيه ، وضدا في القانون الجنائي المغربي، الذي يعاقب بالسجن من شهر واحد إلى 6
أشهر، كل من يثبت امتهانه التسول وهو يملك وسائل العيش ،أو بوسعه الحصول عليها
بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة ،
وإذا عرفنا أن
هذه العادة السيئة التي ليست من طباع المغاربة ولا من شيمهم، ،انتشرت في كل شوارع
المدن المغربية الى أن أصبحت تعج جميعها بجحافل من تعودوا على ممارسة ، نساء
ورجالا ، أطفالا ومسنين ،دون خجل من أحكام الشرع المحرمة لهذه المعضلة الدخيلة على
مجتمعنا ، وبلا خوف من القوانين الجنائية الرادعة لها، والحملات الأمنية المكافحة
لديوعها ، لما يحققه المتسولون منها من أرباح مغرية على حساب "فاعلي
الخير" الذين يلهب عطفهم وكرمهم جشع المتسولين وتهافتهم على "سؤال
الناس" رغم حالهم الميسور والأفضل من الكثير من المتصدقين ، ما يصعَّب على
المسؤولين الحكوميين والسياسيين مأمورية مكافحة هذه الآفة ، ويجعل مسؤولية
معالجتها تتطلب وعيًا وتحركًا مجتمعيًا فاعلاً يقوم على تحمل المواطن مسؤولياته
تجاه ممتهني التسول الذين ليس كل من يستجدي منهم عطف الناس ويطلب يد المساعدة ، هو
بالضرورة محتاج ، و"دايزا فيه الصدقة" الصدقة التي لايجب التعامل معها
من خلال الحالة الروحية والعاطفية ، بل وفقا للقانون ، ووفقا للمسؤولية المجتمعية
التي يجب أن ينهض بها كل أفراد المجتمع ، واقعيًا وميدانيًا، خاصة بعدما أخذ
التسول القديمة-في ظل التردي المستمر للأوضاع الاقتصادية والسياسية التي عرفتها
البلاد مع انتشار كورونا - أشكالاً إلكترونية مستحدثة ، باتت معها شبكة الإنترنت
وكافة وسائل التواصل الاجتماعي ، منصات كبيرة للتسول ، والوجهات المفضلة للاستجداء
، والطريق الأسهل للتكسب دون حياء ، تحت لافتة "التسول الإلكتروني"الذي
نشط مع انقطاع التواصل المباشر بين الناس بفعل الإغلاقات وقرارات حظر التجوال التي
فرضتها الجائحة العالمية كورونا ، والتي نتج عنها جيل جديد من المتسولين الذين
يمارسون التسول بكل خبث وحرفية من وراء
شاشات هواتفهم وحواسبهم ، متسلحين بزخم ما يوفره العالم الرقمي من امكانيات التأثر
على عواطف المحسنين للحصول على التبرعات
ومراكمتها.