adsense

2022/10/20 - 10:33 ص

بقلم عبد الحي الرايس

بُشِّرَتْ بمشاريعَ ترُدُّ اعتبارها بتعليمات من صاحب الجلالة، ولكنَّ صيْرُورَتها وواقعَ حالها يَسْحب منها كل مُميزات الحضارة، ويُضفي عليها كل سِماتِ البداوة.

حافلاتُها تُرسل انبعاثاتٍ خانقة، تتمايلُ مُنذِرةً بالتورُّط في حادثة، وَتُخْلِفُ مواعيدَها حتى لا تحْسبنَّها قادمة.

أرصفتُها إما مُصادَرة، أو بالحُفر والقُمامة مُؤثثة، وبعضُها تَمَّ تضييقُهُ حتى لا يلوذَ به راجِلٌ ولا راجِلة.

وحدائقُها التي كانت تَزْهُو بها رَانَ عليها الإهمال، وسامَها الهَوان.

فهذه حديقة للا أمينة أضحتْ مُسيَّجَةً أسِيرة، وبعد أن كانت ناضِرَة مَهِيبَة، تَطاوَلَ عليها بِاسْمِ كراء مَقْصِفٍ مَنْ صَيَّرها مُحتلة كئيبة، يَمْنَعُ عنها كلَّ مُرْتاد، ويسْحَبُ منها كل بهاء.

وهذه حديقة للا مريم بعد أن كانت مَرْتعاً للأطفال، صارت بِواجِهتها الكالحة عنوانَ تَسلُّطٍ وإهمال.

وتلك ساحة فلورنسا تَوْأمِ فاس، ومَهْوَى أفئدةِ السياح، بعد أن كانت تُرسِلُ الرذاذ من نافوراتها، وتُمْتِعُ المارين بجميل مُربَّعاتها، صارت أطلالاً تندُبُ حظها أنْ حَمَلتْ اسْماً لم يَعُدْ يُلائِمُ حَالَها.

وتلكم أحواضُ محطة القطار، بعد أن كانتْ تزخرُ بالاخضرار والإزهار ،صارت من فَرْطِ الإهمال تستقبل المُتوافدين بِالتيبُّس والجفاف.

وأسواقُ ومعالمُ مدينتها العتيقة بعد أن كانت مُتْحَفاً حياً ومعرضاً متجدداً يبهرُ كل سائح، ويُلهمُ كل زائر، صارت مهجورة تشكو الكسادَ والبوار.

وكانت فاس تَتَّشِحُ بالأبيض العاجي رَمْزِ السُّمُوِّ والصفاء، تَسلل إليها دَاكِنُ الألوان، فأفْقدها ما ميَّزها على تتالي العُقود وتَعَاقُبِ الأجيال.

لَكِ الله يا فاس، أراكِ من الإهمال تئنين، ومِنْ وَهَن الإرادةِ تشتكين، ولكنكِ جَوْهرةٌ ثمينة، ودُرَّةٌ فريدة، ومهْما غَمَسُوكِ في الطين، لنْ تلبثي ـ بعد صَحْوةٍ وعناية ـ أن تستعيدي إشراقتك، وتسْتردِّي ريادتك، وتستأنفي رسالتك في صنع الحضارة وإغنائها.