adsense

2022/10/18 - 11:00 ص

تشهد تونس احتجاجات متواصلة تعتبر الأكثر حدة وانتشارا منذ عملية قيس سعيد الانقلابية في 25 يوليو 2021، وهي العملية التي أقصت مجمل القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وركزت السلطات السياسية والبرلمانية والقضائية في يد الرئيس، ورغم الدعم السياسي الذي لقيته الحركة الانقلابية من دول غربية وعربية، فإن ذلك الدعم لم يتجسد على شكل مساعدات اقتصادية، في الوقت الذي ساهمت سياسات الحكومة في هروب المستثمرين الأجانب، والسياح.

وأدخلت سياسات سعيد المنفردة البلاد في أحد أسوأ الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وساهم ذلك بسخط كبير جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص السلع وحتى الأدوية وزجاجات المياه، واستمر الانهيار في قيمة العملة المحلية، واقترب معدل التضخم من 10٪، وصار التونسيون ينتظرون ساعات أمام المخابز والمحال التجارية لشراء السلع المدعومة، كما انتشرت طوابير أمام محطات الوقود بسبب نقص البنزين رغم زيادة سعر الوقود 4 مرات خلال العام الجاري. ورفعت هذه التداعيات كلها مستويات الفقر والبطالة وساهمت في موجات من الهجرة غير الشرعية وصار غرق الشبان التونسيين في البحر خبرا يوميا مفجعا.

وتحولت الحكومة التونسية، منذ ولادتها، إلى ما يشبه صفا دراسيا يتلقى إملاءات الرئيس والاستماع إلى محاضراته وتنفيذ طلباته، ودفع هذا العجز الذاتي عن الفعل، والافتقاد للمصداقية والشرعية، إلى كونها مسببا رئيسيا في الأزمة الراهنة، فهربت الاستثمارات، وتناقص النقد الأجنبي، وتراجعت الصادرات، وبلغ العجز التجاري خلال النصف الأول من العام الجاري 3,6 مليار دولار، كما تصاعد معدل الجرائم ذات العلاقة بالسلطة وأجهزتها، كالرشوات والعمولات والسمسرة والفساد المالي.

ولجأت الحكومة، كما هو متوقع، إلى إلقاء اللوم على "الفساد" و"السوق السوداء" والتضخم العالمي، وأزمة أوكرانيا، وفي ظل اقتراب ماليتها العامة من الإفلاس، وبلوغ العجز التجاري 5,32 مليار دولار، فقد استسلمت حكومة نجلاء بودن لفكرة وحيدة هي الاستدانة من الخارج، وبالتالي، تلقي شروط الدائنين الدوليين الكبار.

تزامنت الاحتجاجات الأخيرة مع إعلان صندوق النقد الدولي لاتفاق مع تونس لمنحها تمويلا بقيمة 1,9 مليار دولار على مدى 48 شهرا، غير أن الاتفاق بشأن ترتيبات التمويل ستنتظر موافقة مجلس الصندوق التنفيذي الذي سيناقش طلب تونس في ديسمبر المقبل، ولكن الحكومة التونسية لم تشرح بعد برنامجها "الإصلاحي" المرتقب، لأن ذلك قد يزيد، عمليا، في تأجيج الشارع ضدها.

وكان صاعق الاحتجاجات الأخيرة هو مقتل شاب نتيجة جروح أصابته خلال مطاردة قوات الأمن له، والذي تزامن مع دفن غرقى آخر حوادث الهجرة غير الشرعية في قبور لمجهولي الهوية، لكن الخلفية العامة له هي الأزمة السياسية ـ الاقتصادية، التي تسبب بها التسلّط السياسي للرئيس، وعجز حكومته عن الفعل، وكان طبيعيا أن يعود شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكذلك شعارات التنديد بالانقلاب والدكتاتورية.