adsense

2019/10/07 - 2:55 م

بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
طالما هناك في قلبنا دقات تنبض بحب الوطن، سنظل، على الرغم منا، متابعين لما يجري ولما يتعلق بتدبير الشأن العام محليا ووطنيا. لذلك، لا يمكن إلا أن يثيرنا ما حصل في اجتماعات حزبية مؤخرا من فوضى، وهي ظاهرة للأسف غدت ملازمة للممارسة الحزبية بل إنها لا تزداد مع توالي الأيام ومع دنو الاستحقاقات الانتخابية إلا تغولا وانتشارا.
 هاجس تقاسم الريع الحزبي المقتطع من مال دافعي الضرائب والتهافت على النيل من فتاته والاستقواء بالبلطجية، كلها سمات صارت تلتصق بالعمل الحزبي. لم نعد نسمع صدى لنقاشات حول أطروحات نظرية ومقاربات اقتصادية واجتماعية وتربوية يقترحها الفاعلون الحزبيون من أجل إصلاح الأوضاع القائمة وتجاوز ما يعيق النهوض بأحوال البلاد والعباد. ما أصبح طاغيا هو الصياح والصخب واستعمال كلمات نابية تمتح من قاموس الفتوات و"المشرملين".
 أي صورة يراد تسويقها عن العمل السياسي؟ ما الذي أدى إلى اختفاء المناضل المثقف والمنظر الفاعل عن الساحة الحزبية؟ كيف صارت مقرات حزبية، كانت إلى زمن قريب تعج بمفكرين ذوي صيت عالمي، فأصبحت الآن مرتعا لتجنيد بلطجية ومرتزقة لوضع مقاليد تسيير الكيان الحزبي بين يدي شخصيات ضعيفة خبرة وتكوينا وكاريزمية؟
  من الأكيد أن هذا الوضع الكارثي يساهم فيه النظام الانتخابي المعمول به حاليا والعدد غير المعقول وغير المقبول للهيئات السياسية. إضافة، بطبيعة الحال، إلى عدم التقيد بمستلزمات المنهجية الديموقراطية واحترام ما أفرزته صناديق الاقتراع عند الاستحقاقات الانتخابية. فقد يكون لحزب معين مع حلفائه الأغلبية، غير الرئاسة تؤول، بقدرة قادر إلى جهة أخرى، والأمثلة عن ذلك كثيرة.
  وحين نركب بين العوامل الموضوعية والذاتية، نجد أنفسنا أمام وضع سيء تعيشها السياسية ببلادنا، وضع يهددها "بالسكتة القلبية". فأمام أفول نجم الفاعل الحزبي وتراجع هامش تدخل كل الكيانات السياسية التي دورها أن تلعب دور الوسيط بين الدولة وبين الجماهير (أحزاب/ نقابات/ جمعيات..)، هل يمكن القول بأن السياسية عندنا تحتضر وأن موعد موتها قد أزف؟
 لا وألف لا. السياسية لن تموت. وهنا أجد نفسي مسايرا لما عبر عنه السيد عادل بن حمزة، في مقال له بجريدة وطنية اليوم. السياسة في نظره لم تمت بدليل عدد التجمعات الاحتجاجية التي عرفتها كثير من المدن خلال 2018/2019، والتي كانت بين 800 و1000 تجمع احتجاجي، كما صرح بذلك المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان شوقي بنيوب. الحياة السياسية حية لكن يغيب الفاعل السياسي النزيه القادر على التوجيه والقيادة والانصات لنبض الجماهير.
 السياسة حية وشهادة حياتها لا تزال تستمدها من ألترات الفرق الوطنية التي لم تعد ترفع شعارات رياضية فحسب بل صارت تتغنى بمقطوعات تفيض بهموم الناس وتعبر عن مطالبهم. هذه المقطوعات لا تعرف فقط اهتماما وتجاوبا على المستوى الوطني فقط. لقد صارت الكثير من القنوات تنقلها وتقدم برامج بخصوصها. يمكن للمتصفح لشبكات التواصل الاجتماعي أن يلاحظ عدد المشاهدات التي تحققها مقطوعات الترات فرق الرجاء والوداد واتحاد طنجة. أكثر من ذلك، كثيرا ما نلاحظ أطفالا ويافعين يرددونها في الأحياء والتجمعات. فهل يمكن أن نتصور أن تصبح هذه الترات الرياضية بديلا عن الأحزاب السياسية ومؤسسات الوساطة بوجه عام؟
 السياسية ستظل حية. المجال مفتوح، لكنه يتوقف على بزوغ خطابات سياسية وقيادات جديدة. الأحزاب الوطنية في حاجة إلى ثورة على الذات قبل فوات الآوان. فلا ديموقراطية بدون أحزاب، لكن أحزاب تعيد بناء ذاتها، أحزاب تصلح علاقاتها مع النخب المثقفة ومع الكفاءات الوطنية، أحزاب تلتزم هي أولا بالمنهجية الديموقراطية قبل أن تطالب بها الدولة.